جماعات الإرهاب الإلكتروني تستهدف الأطفال والمراهقين، وتحديدًا من تتراوح أعمارهم ما بين 9 أعوام و15 عامًا، وتوظف أبناء الإرهابيين لاستقطابهم، وتغريهم بالمحتوى الترفيهي والتعليمي، ومن ثم تنقلهم تدريجيًا إلى المحتوى المتطرف، أو تختصره في ثوانٍ قليلة ضمن المحتوى المناسب لهم، وتتعامل مع البالغين بسياسة حشر رسالة سلبية واحدة بين كل خمس رسائل إيجابية..

الماكينة الإرهابية ما زالت حاضرة وقوية على الإنترنت، وبالأخص في منصات السوشال ميديا، فقد تمكن المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، وبالشراكة مع منصة تلغرام الروسية، والتي تصل أعداد المسجلين فيها لقرابة المليار شخص، من ضبط 160 مليون محتوى متطرف ما بين عامي 2022 و2024، ومركز اعتدال لديه تقنيات متطورة لمعرفة أنماط الدعاية السوداء، وما يقوم به الإرهاب الإلكتروني من ممارسات يتحايل بواسطتها على عمليات إزالة محتواه، وبحسب دراسة نشرتها شبكة (بي بي سي) في ديسمير 2024 فإن المنصة السابقة تستخدم خوارزميات تسوق للمحتوى المتطرف، وأتصور أنها دراسة مسيسة نسبياً، لأن العلاقات بين روسيا وبريطانيا ليست في أفضل حالاتها، بسبب الأزمة الأوكرانية، ولدرجة اتهام مالكها الملياردير الروسي بافيل دوروف، بأنه يوظف منصته لإدارة معاملات غير مشروعة، وممارسة الاحتيال والاتجار بالمخدرات، وتصوير اعتداءات جنسية على الصغار، وما تقدم لا يؤثر في حجم الإنجاز وأهميته للطرفين، وكنت أتمنى إبرام تعاون مشابه مع منصة سيغنال الأميركية، لأنها لا تقل في وزنها عن تليغرام، بالنظر لحجم إقبال الإرهابيين الرقميين عليها.

لكن ثمة غياب لمجهودات مركز اعتدال عن منصة يوتيوب، مع أنها أعلى في شعبيتها من تليغرام، وبالتأكيد أكثر خطورة في تأثيرها، وبحسب دراسة لمؤسسة (مشروع مكافحة الإرهاب) الأميركية في 2018، فحصت فيها مواد متطرفة وضد التطرف، في 669 فيديو عرضتها يوتيوب، تبين أن المحتوى المتطرف يتفوق بأربع مرات على المحتوى المضاد، وكانت حصة داعش من الفيديوهات 3 %، و30 % لتنظيمات إرهابية أخرى، بينما الـ67 % المتبقية نشرها أشخاص وليس تنظيمات، ومحتوى اليوتيوب الإرهابي مربك، ومن الأمثلة، أن منفذ الهجوم في مدينة مانشيستر البريطانية عام 2017 تعلم طريقة تصنيع القنبلة التي فجر بها نفسه من فيديو لداعش على يوتيوب، والأصعب أنه لم يحذف من المنصة إلا بعد شهرين من الحادثة، والأصعب احتمالية استخدام الإرهابيين لتقنيات الذكاء الاصطناعي في التجنيد وفي صناعة وتوجيه المسيرات والطائرات بدون طيار بخلاف تجربتهم السابقة للروبوتات.

الإشكالية الثانية أن طرق تمويل الإرهاب التقليدية تغيرت تماماً، وتحولت إلى العملات المشفرة والإنترنت المظلم، وفي إحصائية أصدرتها شركة (تشين انلاسيس)، لبحوث العملات الرقمية لوحظ أنه في الفترة من 2017 إلى 2021 وصل حجم ما تم غسله من أموال الإرهاب والمخدرات وباستخدام هذه العملات إلى نحو 33 مليار دولار، واستنادا لأرقام 2021 فإن قيادات داعش كان في حوزتها عملات (بتكوين) تقدر قيمتها بنحو 300 مليون دولار، ولا يستبعد أنها استخدمت في عمليات إرهابية من نوع حادثة الدهس في مدينة نيواوليانز بولاية لويزيانا الأميركية، ليلة رأس السنة الميلادية لعام 2025، والتي ذهب ضحيتها 10 أشخاص، وأصيب فيها 36 شخصاً، والمنفذ تأثر بالفكر الداعشي، والدليل علم التنظيم الموجود في سيارته، ومقطع فيديو ظهر فيه، رغم أنه مواطن أميركي، وخدم مع جيش بلاده في أفغانستان، ولكن الأهم مروره بتجربتي زواج فاشلة، ومعاناته من صعوبات مالية بعد تسريحه من عمله، وهو ما يجعله نموذجا مثالياً لمن يسمونهم بـ(الذئاب المنفردة)، وهؤلاء يجندون عن طريق الإنترنت، ومن الدول الغربية تحديداً.

جماعات الإرهاب الإلكتروني تستهدف الأطفال والمراهقين، وتحديدا من تتراوح أعمارهم ما بين 9 أعوام و15 عاماً، وتوظف أبناء الإرهابيين لاستقطابهم، وتغريهم بالمحتوى الترفيهي والتعليمي، ومن ثم تنقلهم تدريجيا إلى المحتوى المتطرف، أو تختصره في ثوانٍ قليلة ضمن المحتوى المناسب لهم، وتتعامل مع البالغين بسياسة حشر رسالة سلبية واحدة بين كل خمس رسائل إيجابية، وأشارت الأمم المتحدة في تقرير أصدرته عام 2015، الى أن تنظيم داعش وباعتماد الطرق السابقة، استطاع تجيند 30 ألف مقاتل من 100 دولة.

منصتا فيسبوك وإكس اعتمدتا مؤخرا أسلوبا جديداً في الرقابة والحذف، ضمن ما يسمونه بـ(الكميونيتي كومنتس) أو ملاحظات المستخدمين، وألغت كل نماذج الرقابة المؤسسية القديمة، والمعنى أنهم هم من يتحكم في المحتوى، وأعتقد أنها فكرة جيدة، لأن معظم منصات السوشال ميديا أميركية لديها مناعة ذاتية، بموجب القانون الأميركي رقم (230)، وبالتالي لا يمكن رفع قضايا ضدها أو مساءلتها، لأنها لا تنشئ المحتوى المخالف أو المتطرف، ومن يفعل ذلك هو المستخدم، ولعل هذه المسألة تحتاج لمراجعة أو اعادة صياغة بمعرفة الحكومة الأميركية، وبما يجعل المنصات الاجتماعية مسؤولة ولو جزئيا عما ينشر فيها.

مع ملاحظة أن الأنظمة المعمول بها في المملكة، وبموجب النظام السعودي لمكافحة جرائم الإرهاب وتمويله الصادر في 2017 تعاقب من يقوم بمتابعة الشخصيات المدرجة ضمن قوائم التطرف والإرهاب، بالحبس لمدة تصل لثمانية أعوام، لأن تصرفه يصنف باعتباره جريمة، والمادة 35 من نفس النظام، تحمل جهات العمل مسؤولية متابعة حسابات موظفيها، والتنبيه عليهم ومحاسبتهم عند القيام بذلك، ومن لا يلتزم أو يتغافل من مسؤوليهم المباشرين، قد يحبس لمدة 25 عاماً بحد أقصى، لأنه صاحب ولاية وظيفية عليهم.