كثيراً ما تثار الشكوك، بأن الصين سوف تكرر تجربة اليابان. وهذه الشكوك منبعها معدلات النمو المرتفعة التي شهدها الاقتصاد الياباني حتى منتصف الثمانينات من القرن المنصرم وأدت إلى احتلاله ترتيب ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ولكن بعد التوقيع على اتفاقية بلازا عام 1985 بين الولايات المتحدة واليابان-والتي شاركت فيها أيضاً ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة- بدأ هذا الاقتصاد يفقد دفعه، وأخذت معدلات نموه تتراجع تدريجياً ليصبح ترتيبه الرابع. والسبب يعود إلى أن هذا الاتفاق قد توخى رفع معدلات صرف الين، وخفض سعر صرف الدولار، بنسبة وصلت خلال الفترة الواقعة بين 1985- 1987 إلى 50 %. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الصادرات اليابانية وانخفاض تنافسيتها في الأسواق العالمية. كما أن منظمة التجارة العالمية حرمت اليابان من رفع الرسوم على الواردات.  

وعلى هذا الأساس، صار المحللون يضربون أخماسًا في أسداس، وهم يسمعون الرئيس الأميركي القادم دونالد ترمب يكرر أن الاقتصاد الأميركي، قد تضرر جراء ارتفاع سعر صرف الدولار، خاصة وأن الاحتياطي الفدرالي الأميركي يتوجه إلى مزيد من خفض سعر الفائدة على العملة الأميركية خلال الفترة القادمة، مما غذَّى التوقعات بتكرار ما حدث عام 1985، ولكن هذه المرة ليس مع اليابان، وإنما مع الصين- خصوصاً وأن الاقتصاد الصيني لا يزال ينمو بوتائر عالية، تذكر بما حققه الاقتصاد الياباني قبل التوقيع على اتفاقية بلازا المشار اليها.    

غير أن النموذج الصيني مختلف عن الياباني، رغم أوجه الشبه الكثيرة بينهما. فالنموذج الأول يتسم بقدر كبير من الاستقلالية من ناحية ودور متزايد للقطاع الحكومي في الاقتصاد من ناحية أخرى. ولذلك، فإن أحدًا لا يستطيع إجبار الصين التوقيع على اتفاقية تضر بها. فاليابان تشبه ألمانيا، التي أُجبرت عام 2022 على اتخاذ العديد من القرارات المضرة بها، فتخلت عن الغاز الروسي الرخيص واشترت الغاز الأميركي مرتفع التكلفة- ومنها ومعدلات نمو الاقتصاد الألماني في تراجع مستمر، حتى يومنا هذا.

أما الاقتصاد الصيني، فإنه لا يزال يحقق معدلات نمو مرتفعة، والتي وصلت في العام الماضي، وفقاً لآخر الإحصاءات، إلى 5 %. كما أن سوق العقارات التي بدأت تتراجع أسعارها مثيرة المخاوف بتكرار ما حدث لسوق العقار الياباني بعد عام 1985، أخذت تستقر مع تعزيز الجهود التي يبذلها صناع القرار لإنهاء موجة التراجع.  

 ولذلك، فإن الاقتصاد الصيني سوف يواصل معدلات نموه المرتفعة بدعم من القطاع الحكومي. فالخطر الذي يهدّده ليس تكرار اتفاقية بلازا، وإنما الدورة الاقتصادية، شأنه شأن أي اقتصاد مستقل كالاقتصاد الأميركي وغيره من الاقتصادات التي تنمو وفقاً لقوانين السوق كذلك فإن العقوبات الاقتصادية، هي الأخرى تشكل خطرًا على الاقتصاد الصيني. ولكن كما نلاحظ، فإن هذا البلد يحاول أن يقلل من تأثير الدورة الاقتصادية عبر مبادرة الحزام والطريق. أما العقوبات الاقتصادية، فإن التجمعات الاقتصادية مثل بريكس، ربما تخفف منها.