يمكن عن طريق رصد المشهد المتطور للسياسة العالميّة بعد عام 2020، تمييز خمس سمات رئيسة (وإن بدت متشابكة) تميّز طبيعة التحالفات الدوليّة، وعلى وجه الخصوص التحالفات ذات التوجّهات الاقتصاديّة والسياسيّة منها ويشمل ذلك:

أولًا: التحوّل إلى التحالفات التي لم يعد الغرب محورها، ويتّضح ذلك من تكثيف نشاط الاجتماعات والاتفاقيّات التي تكشف بجلاء أن النفوذ الاقتصادي والسياسي العالمي بدأ يتمحور بشكل متزايد نحو الشرق، ويمكن تفسير جانب من هذا التحوّل؛ بسبب التراجع العالمي الملحوظ للولايات المتحدة ما أدى إلى خلق فراغ تسعى قُوى أخرى لملئه. على سبيل المثال، يُظهر طموح مجموعة البريكس لتشمل دولًا مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإيران هدفا لتعزيز هذا الاتجاه. ثمّ إنشاء وتنشيط مؤسّسات مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وبنك التنمية الجديد من قبل دول مجموعة البريكس، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتيّة من قبل الصين لتوفير أبدال للمؤسسات الماليّة التي يُهيمن عليها الغرب. ولهذا نرى كيف تُعلن وتعمل بعض الدول الأفريقيّة ودول الشرق الأوسط على تنويع علاقاتها الدبلوماسيّة لتشمل علاقات أوثق بدول خارج مدار التأثير الغربي.

ثانيًا: صعود التعدديّة القطبيّة وتغيّر توازن القُوى مع ظهور دول ذات تأثير جيوسياسي عالمي، ومنها المملكة العربية السعودية والهند اللتان بدأتا تستفيدان من قدراتهما وموقعيهما الإستراتيجيين للقيام بأدوار محوريّة في النظام العالمي. وتدخل في هذا المجال أيضًا دول مثل جنوب أفريقيا، والبرازيل، وإندونيسيا، وتركيا أيضًا على الرغم من أن تطلّعات وارتباطات أنقرة قد تعطّل تموضعها في التحالفات الجديدة. وفي هذا المجال أيضًا ترتفع الأصوات المطالبة بإصلاح المؤسسات التقليديّة العالميّة مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي والتي تعكس النفوذ المتزايد للقوى الجديدة.

ثالثًا: بروز التحالفات الخاصّة بقضايا محدّدة نتيجةً لتعقيدات التحالفات الأيديولوجية التقليدية. ومن الأمثلة على ذلك تشكيل مجلس التجارة والتقنية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واتفاقية الأمن بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. ويشمل ذلك الحوار الأمني الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند لموازنة النفوذ المتزايد للصين. ويمكن هنا أيضًا إدراج وكالة مكافحة الإرهاب التابعة لمنظّمة شنغهاي للتعاون.

رابعًا: تركيز توسيع النفوذ الصيني عن طريق القوّة الناعمة، ولا سيما في أفريقيا والشرق الأوسط، بترجمة العلاقات الاقتصاديّة إلى رأس مال دبلوماسي وسياسي. ويتجلّى هذا في دور الصين في التوسط في الاتفاقيات، مثل التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران (2023)، وقبل ذلك دورها في عمليّة السلام في جنوب السودان (2019) وكذلك إسهامها في حلّ النزاعات في جمهورية أفريقيا الوسطى (2017-2019). وتسهم مبادرة الحزام والطريق الصينيّة بهدوء في مدّ نفوذ الصين السياسي عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا، مع حزمة وعود بتقديم أنموذجات بديلة لتمويل التنمية والاستثمار في البنية التحتيّة خارج الضغوط السياسية والحقوقية.

خامسًا: تنشيط وإنشاء هياكل خارج أُطر النظام العالمي المهيمن، وهذا واضح في نشاط الاتحاد الأفريقي، ورابطة دول جنوب شرق آسيا. وكذلك في إنشاء مؤسسات ومجموعات جديدة لتكملة (أو تحدي) الأطر القائمة التي يقودها الغرب منذ ما بعد الحرب الغربية (العالمية) الثانية. ونتيجة ذلك تزايد اهتمام دول كثيرة بالانخراط في منظّمات مثل منظّمة شنغهاي للتعاون (كتلة أمنية واقتصادية)، وتوسّع مجموعة البريكس نحو هياكل عالمية أكثر مرونة وشمولًا.

العين لا تبصر المستقبل؛ ولكن البصيرة ترى ملامحه..