لب مشكلتنا مع الادعاءات الطبية والعلمية للباحثين عن الشهرة هو أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت إعلام من لا إعلام رسميًا يقبله، لكن في الوقت نفسه فإن ما ينتشر في وسائل التواصل أصبح يؤثر في بعض البرامج المتلفزة خاصة البرامج الحوارية فتتبنى طالب الشهرة وتستضيفه وتروج لما يدعي من معلومات سطحية غير موثقة ولا محكمة سواء فيما يمس صحة الإنسان أو سلوكياته وأسلوب حياته، والناس أصبحوا يدركون أن أغلب ما ينشره هواة جمع المتابعين وطالبي الشهرة عبر وسائل التواصل هو غثاء وأبعد ما يكون عن الحقيقة، لكنهم مازالوا يثقون في البرامج الحوارية وقد تؤثر فيهم أو تقنعهم، لذا على معدي ومقدمي تلك البرامج أن يكونوا أكثر وعيًا وحذرًا من جياع الشهرة، وعلينا كباحثين ومتخصصين تذكيرهم أن المعلومة الطبية أو الدوائية أو السلوكية أو حتى الفيزيائية والكيميائية وبصفة أعم أي معلومة تقرر أن هذا ضار أو نافع لابد أن تمر بأبحاث ودراسات شاملة وعميقة وشاقة وليس مجرد انطباع شخصي عن حالة أو اثنتين أو عشر حالات.
على سبيل المثال لا الحصر لا يمكن لطبيب مهما بلغ عمره ورغبته في الانتشار أن يقول إن زيت الزيتون يرفع الكوليسترول لمجرد أن مريضًا جاءه بنسبة كوليسترول مرتفعة وقال إنه شرب زيت الزيتون!! فهذا التقرير ممعن في السطحية والاستعجال، ونهم الشهرة أكبر أسباب الاستعجال، فحالة واحدة أو حتى عشر حالات لا تكفي لهذا الحكم وحتى لو أدخلت العشر حالات في قلوبنا شكًا في علاقة زيت الزيتون بنسبة الكوليسترول المرتفعة فعلينا قبل الحكم أن نعرف نوع زيت الزيتون الذي تناوله العشرة وعلامته التجارية (البراند) ومكوناته، وهل بين مكوناته ومواده الحافظة ما يتفاعل مع كواشف المختبر الذي أجرى التحليل، وما السلوك الغذائي للعشرة ذلك اليوم وما سلوك نسبة الكوليسترول لديهم خلال الستة أشهر الماضية وعوامل كثيرة أخرى قد تكون سبب الارتفاع قبل أن نسارع ونحكم أن زيت الزيتون يرفع الكوليسترول.
باختصار علمي شديد وسريع أود أن أذكر الطبيب والمعد والمقدم وكل من يتأثر بالمعلومة السطحية أننا لكي نحكم أن (مثالنا هنا) زيت الزيتون يرفع الكوليسترول أو يخفضه يجب أن ندرس حالة عدد من الأشخاص لا يقل عن المئة ونوزعهم لمجموعات عمرية وسلوكية غذائية محددة ويتناولون كمية معروفة من زيت الزيتون معروف العصرة والنوع والعلامة التجارية وتاريخ الإنتاج ومكوناته المضافة (مواد حافظة وخلافه)، وأن يتم التحليل في مختبر واحد ونعرف كواشفه (نوعها وتاريخها وطريقة عملها)، وأن يكون لدينا (خارج المئة) مجموعة مقارنة أي مجموعة مرجعية أو ما نسميه (كونترول قروب) لهم نفس السلوك الغذائي والفئات العمرية والخصائص المتقاربة لكنهم لم يتناولوا زيت الزيتون، ثم نقارن النتائج بدراسات أخرى مشابهة لعلماء آخرين سبقونا لنخرج (باحتمال) وجود علاقة لزيت الزيتون في خفض أو رفع الكوليسترول.
خلاف ذلك فإن كل من ينشر معلومة طبية أو غذائية أو سلوكية أو نفسية مدعيًا أنها حقيقة وهي مجرد انطباع سطحي أو شغف في شهرة على حساب المعلومة التي قد تكون مضللة، تجب محاسبته وردعه عن التمادي في التضليل.