الحياة اليومية بتسارعها الملحوظ وتقنياتها الحديثة انعكست بشكل كبير على سلوكنا وفي طريقة تسوقنا، ففي الماضي كان التخطيط لشراء حاجاتنا يتطلب تحديد مكان ووقت شرائها من الأسواق التقليدية، ثم مع تطور التجارة الإلكترونية أصبحنا نتصفح المتاجر الإلكترونية ونقارن بينها في السعر وطريقة الدفع ووقت التوصيل، حتى أصبح التسوق عبر الإنترنت عادة وسمة يومية في حياة الكثيرين بغرض تلبية الاحتياجات اليومية في أي وقت على مدار الساعة ومع مختلف الأطراف سواء بين عميل وشركة أو بين عميلين أو حتى بين شركتين.

التطور في مجال التجارة الإلكترونية أظهر لنا خلال السنوات القليلة الماضية فكرة حديثة هي التجارة السريعة (Quick Commerce) التي أحدثت تحولاً جذريًا في أنماط التسوق والاستهلاك، تتمثل في تقديم المنتجات والخدمات للعملاء خلال فترات زمنية قصيرة للغاية قد تصل إلى دقائق معدودة، هذه الظاهرة هي امتداد للتجارة الإلكترونية التقليدية التي تركز على المنافسة في السعر وتستخدم طرق شحن قليلة التكلفة، ولكن متميزة عنها التجارة السريعة بالوقت القصير جدا في تسليم الطلبات وتلبية احتياجات المستهلكين العاجلة، الأمر الذي يتطلب التركيز على الخطوة الاخيرة من سلسلة الإمداد والتي يُطلق عليها الميل الأخير (Last Mile) التي تصف تسليم المنتجات للعميل باعتبارها المرحلة الأخيرة.

أول من طرح فكرة توصيل طلبات الشراء الإلكتروني بسرعة تشبة توصيل البيتزا هو جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون، حيث اقترح عام 2013 إمكانية توصيل الطلبات للعملاء في أقل من 30 دقيقة كفكرة ثورية تمزج بين التقنية الحديثة واللوجستيات السريعة عبر الإعتماد على أساطيل من الدراجات والمركبات والكوادر البشرية الكبيرة، بالاضافة إلى إنشاء مراكز تخزين وتوزيع صغيرة قريبة من المناطق السكنية أو كما يطلق عليها المتاجر المظلمة (Dark stores) التي كانت في الأساس متاجر تقليدية تم إعادة تصميمها كمراكز لعمليات التشغيل غير المخصصة لإستقبال العملاء، ولكن هذه المتطلبات تُكبد المتاجر الإلكترونية السريعة تكلفة تشغيلية عالية جداً يعتبر تحديا كبيرا أمامها.

النمو الكبير في التجارة السريعة مدفوعًا بالتطور المستمر في التقنية وزيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، يُشير إلى مستقبل مشرق لهذا القطاع في السنوات القادمة، خصوصا مع دخول الطائرات بدون طيار "درون" والروبوتات في عمليات التوصيل الذي سيجعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة، بالإضافة إلى فوائدها على البيئة في تخفيض الانبعاثات الناجمة من وسائل النقل التقليدية وتقليل الاختناقات المرورية في ساعات الذروة، فمن أبرز الشركات التي بدأت فعليا في استخدامها، متجر أمازون الالكتروني ومخازن وول مارت الضخمة وشركة وينج (Wing) التابعة لمجموعة "ألفابت" (الشركة الأم لجوجل) بالإضافة إلى ميتوان (Meituan) الشركة الصينية المتخصصة بتقديم خدمات توصيل الطعام.

زيادة الطلب على التجارة السريعة التي كانت في بداياتها تركز على تقدم المنتجات الضرورية والتي يتم طلبها بشكل متكرر من الطعام والتموينات والأدوية والهدايا، أصبحت الآن تشمل مجموعة متنوعة وكبيرة من المنتجات، بما في ذلك الأجهزة الإلكترونية الصغيرة والمحمولة والملابس والكتب وغيرها، مما دفع معظم المتاجر الإلكترونية "التقليدية" الانتقال إلى التجارة الإلكترونية السريعة لتلبية توقعات العملاء الذين يَعتبِرون زمن التوصيل عاملاً حاسمًا في تجربة التسوق وأنه من أهم عوامل نجاح التجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى العوامل الأخرى المتمثلة في التكلفة والجودة وتجربة العميل الناجحة التي تلبي احتياجاته بطريقة تتماشى مع نمط الحياة العصري والسريع، فقد أصبح الطلب في ثوانٍ، والتوصيل في دقائق.