تعدّ قصيدة النثر من أبرز الأشكال الشعرية الحديثة التي شهدت تطورًا ملحوظًا في المملكة العربية السعودية، حيث بدأت تبرز في الساحة الأدبية في السنوات الأخيرة، بعد أن كانت شكلًا غريبًا لدى بعض الأوساط الأدبية المحافظة. ومع ذلك، استطاعت أن تجد مكانتها في المشهد الثقافي السعودي بفضل قدرة شعرائها على تجاوز القوالب التقليدية للشعر العربي الذي يعتمد على الأوزان والقوافي، والتركيز بدلاً من ذلك على الصورة الشعرية والحرية التعبيرية، والتحرر من متطلبات النظم الذي أرهق وكبّل القصيدة العربية قرونا طويلة، وقد لا يكون من السهل تحديد نقطة البداية الدقيقة لظهور قصيدة النثر في المملكة العربية السعودية، لكن يمكن القول إنها تزامنت مع التحولات الثقافية والفكرية التي شهدها العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين. ففي الوقت الذي كانت فيه القصيدة العربية التقليدية تهيمن على الساحة الأدبية، بدأ الشعراء السعوديون في البحث عن أساليب جديدة للتعبير عن همومهم وتطلعاتهم، سواء في السياسة أو الحياة الاجتماعية. فالشعراء الذين تأثروا بالحركات الأدبية الغربية مثل السريالية والتجريدية، بدأوا في استخدام قصيدة النثر كوسيلة للتحرر من قيود الأوزان والقوافي. وقد تأثرت قصيدة النثر في السعودية بعدد من الحركات الأدبية العالمية مثل السريالية والرمزية، كما تأثرت أيضًا بالموجات الثقافية العربية التي كانت تروج لأدبٍ أقل تقيدًا من حيث الشكل وأكثر حرية من حيث المحتوى. وبدأت قصيدة النثر تتجسد في أعمال شعرية حديثة تتسم بالتجريب اللغوي، والتعبير عن حالات النفس الإنسانية، إضافة إلى التفاعل مع قضايا العصر مثل التحديث الاجتماعي والتغيرات السياسية. ومن أبرز رواد قصيدة النثر في السعودية الشاعر سعود السنعوسي، الذي يُعتبر من أوائل من أسهموا في إثراء قصيدة النثر في السعودية. فقد تميزت أعماله بطابع فلسفي وجودي، معتمدة على التلاعب بالكلمات والتقاط صور شعرية غير تقليدية، ما جعله من الشعراء الذين فتحوا المجال أمام قصيدة النثر لتأخذ مكانًا محترمًا بين الأشكال الشعرية الأخرى. من جهة أخرى، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في انتشار قصيدة النثر بين الأجيال الجديدة في المملكة. فقد سهّلت هذه المنصات على الشعراء السعوديين نشر أعمالهم والتفاعل مع جمهورهم، ما جعل الشعر يتجاوز الحدود الجغرافية ويفتح المجال لنوع من التواصل الأدبي المباشر، حيث أصبحت تلك المواقع منصات أساسية للشعراء لعرض إبداعاتهم، ما ساعد في نشر قصيدة النثر بين الشباب السعودي، الذين وجدوا في هذه القصيدة وسيلة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بطريقة أقرب إلى واقعهم، ولا شك أن وجودها اليوم كمسار شعري ضمن برنامج تلفزيوني ضخم كبرنامج المعلقة تأكيد على حضورها وتميزها كشكل شعري بارز له مؤيدوه ومعتنقوه. ومن أهم سمات قصيدة النثر في السعودية التي تميزها عن الشعر التقليدي تركيزها على جماليات اللغة واستخدام الصور الشعرية المتنوعة والمبتكرة والخارجة عن المألوف، وخلق مساحة مستقبلية جديدة لشعر عربي ماضويّ بطبعه، وغالبًا ما تكون قصيدة النثر قصيرة ومكثفة، حيث يكتفي الشاعر بنقل لحظة أو فكرة معينة بتركيز عالٍ، دون الحاجة للتوسع في الوصف، كذلك ابتعادها عن الموضوعات التقليدية المعروفة والمكررة في الشعر العربي، لتتناول موضوعات أكثر حداثة، مثل الوجود، والحياة اليومية، والقضايا الاجتماعية وبرغم النجاح الذي حققته قصيدة النثر في السعودية، لا تزال هناك تحديات تواجهها، فالبعض لا يزال يرى فيها شكلاً أدبيًا غير تقليدي وغير قادر على نقل عمق الثقافة العربية. ولا شك أن الاستمرارية في مواجهة الشعر التقليدي، الذي ما زال يمتلك مكانة قوية في المجتمع السعودي، إضافة إلى الرفض النقدي لها من بعض الأوساط الأدبية، التي ترى فيها انقطاعا وبعدا عن التراث الأدبي العربي ماهو إلا محاولات جادة لإعاقتها والحد منها، ولكن على الرغم من هذه التحديات، فإن قصيدة النثر تواصل تطورها في المملكة العربية السعودية، ويبدو أن لها مستقبلاً واعدًا مع الأجيال الجديدة التي تفضل أساليب التعبير الحرة والمباشرة.