عندما نقول أربعة أيام عمل فهذا لا يعني أن الثلاثة المتبقية دون عمل، فالعمل أحد الأدوار الاجتماعية التي يؤدي الإنسان من خلالها وظائف متنوعة حسب طبيعة كل دور، فالموظف من خلال دوره الوظيفي يؤدي واجبه نحو وظيفته، وفي إجازته يؤدي وظائف ترتبط بدوره تجاه الأسرة والمجتمع. أدوار تؤدى من خلالها وظائف تجاه مؤسسات مختلفة بشكل مباشر أو غير مباشر من مساهمة في الحراك الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وخلافه.

فكرة أن تكون أيام العمل أربعة أيام بديلا عن خمسة جاءتني وأنا برفقة أسرتي في أول تجربة لي مع قطار الرياض، وقد يبدو أن لا علاقة لهذا بهذا ولكن هذا ما حدث معي بالفعل، فالقطار ظهر أنه ليس مجرد وسيلة نقل بل تأكد أنه أداة لنقلة حضارية في الفكر وفي إدارة الوقت وفي الوقوف عند محطاتنا الاجتماعية السابقة ومقارنتها بالمحطة التي نمر بها. القطار مشهد ثقافي تتداعى محطاتنا الاجتماعية الثقافية عندما ندخل إلى باحاته ومساحاته الشاسعة المنظمة والممتدة على رقعة فسيحة من عاصمتنا المتقدة بالحراك الذي لم يسبق له مثيل.

نحن في الحقيقة نعيد اكتشاف أنفسنا، وترتيب حياتنا من خلال هذا المُدخل الثقافي، والطريق الجديد، وعلى مدى حياة البشرية لم يكن الطريق مجرد مكان للعبور والتنقل بين مكان ومكان، الطريق ناقل حضارة ومطور فكر وهو في حالة قطار الرياض يجعلنا نطمح أن يكون الوقت أوسع وأرحب لعيش هذه التفاصيل من حراك جاء بثمرات قطوفها دانية من خلال رؤية واعية واعدة رؤية المملكة 2030.

أصبح في حياة الأسرة السعودية مشاهد متجددة، وحياة لا تهدأ جديرة أن يُقتنص لها وقت إضافي، وأن يعاد ترميم أوقاتنا وفق الرؤية التي جاءت لتجعل من وطننا الرقم الذي لا يهدأ ولا يتوقف عن الزيادة، وحتى سكان بقية مدننا السعودية بدأنا نلاحظ وفودهم المتصلة القادمة إلى عاصمتنا العالمية، وهم في كامل دهشتهم وانبهارهم بما يرون ويعيشون، وكل ساعة تعني لهم عمرا جديدا وحياة تنفرج أمامها أسارير أرواحهم هم وأبنائهم، وحتى كبار السن بدأنا نراهم في كل مكان يلتفتون ويلفتون الأنظار بحضورهم بين أجيال بدأت تلتصق ببعضها وتقترب من فكر بعضها، وتسعى إلى أن تستجيب قدر إمكانها لمدخلات التقنية، وكذلك نلاحظ تعلق أجيال اليوم بماضيها وتراثها وتمسكها بهويتها السعودية رغم انغماسها في عالم تقني لا تتوقف مستجداته.

هذا الحراك وهذه القفزات الحضارية تحتاج أن يتوقف معها متخصص علم الاجتماع، وأن يرسمها في صفحات حديثه بكل اعتداد وفخر، فالوطن يعيش حالة من الثقافة والحراك المنضبط بمستوى وعي مجتمعي يحكم تصرفات أفراده ومرتبطة بقيمه الدينية والاجتماعية وأعرافه التي تلتحم مع بعضها لتكون واجهة لهويتنا السعودية في تجذرها وأصالتها وكذلك في نموها وتطورها.

أربعة أيام عمل وظيفي مقابل ثلاثة أيام إجازة نتطلع لها لترفد أعمالنا الحياتية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية تجعلنا نلتصق أكثر بهذه القفزة السعودية التي أبهرت العالم، وأبهرتنا نحن قبل العالم.