كتبت غير مرة عن حظ من أمه على قيد الحياة يصطبح بوجهها ويسعد بابتسامتها.. والأهم ينتصر بدعائها.. من يملك تلك الأفضلية العظيمة وفق معايير البر المطلوب تجاهها فهو في نعمة عظيمة عاطفة ورضا.. تعيش وأنت ابن أمك حتى لو بلغت سن الكهولة وأدركت شأن العجائز ستكون أمام أمك ذلك الطفل الذي لا بد أن ينفذ التعليمات، وعليه فنحن أبناء أمهاتنا مهما بلغ بنا العمر ومهما كبرنا.
لم تعرف أمي -رحمها الله- جملة حقوق المرأة ولا أي من كلماتها، وأجزم أن أمهاتنا في هذه البلاد الطاهرة لمن بلغ العقد الرابع وما بعده في الإطار نفسه، لم يعرفن إرهاصات المتنطعين والمتنطعات بالحقوق وما يجب وما يُترك وحتى تأثير المطبخ على الحرية، كانت أمهاتنا سيدات منازلهن والقائدات المبجلات لعوائلهن، وعن أمي أقول إنها لم تخلّ بواجباتها طوال سنين عمرها حتى أقعدها المرض، وانتقلت إلى رحمة الله.
ليس هناك من يملك الصفة الأسمى إلا الأم، ومهمتها الأكبر هي إضفاء السعادة على من ينتمون لها، هي المعين لهم جميعاً، استيقاظاً، وتطبيباً، واستشهاداً بجميل القول من الدين والمجتمع.. لم تشتكِ، ولم ترضخ، تعمل كل اليوم، هي للجميع تطبخ وتنفخ وتُصلح وتنصح، هي الطبيبة والممرضة وحتى العاملة، لم تكن تكلّ ولا تملّ، أو حتى تنتظر رضا وثناء!
ليست أمي وحدها بل جميع الأمهات.. هنَّ كتلة من العاطفة تمشي على الأرض، وإن كان مشياً بطيئاً من جراء تعب السنين.. تلاحقنا بالوعود بأن لا نتخلى عن ملاحظاتهن وتوجيهاتهن، وهنيئاً لمن والديه على قيد الحياة، ففيهما يتبارك، وبحديثهما يستأنس، ولتعليماتهما "رغم أنفه ينفذ"، وفي الأخيرة حتى لو كانت تعليمات تخص الوقاية من لهيب الشمس، أو المطالبة بوضع "اللطمة" لاتقاء البرد.. وحظ من أمه تعيش معه في "عيشة راضية".. كيف لا وأن أكثر ما يقربه إلى الجنة ويبعده عن النار موجود أمامه.
مهما كبرت فأنت بنظر والدتك ما زلت الطفل الذي يحتاج إلى المتابعة وتلقي التعليمات، وليس أشد من صديقي الذي يخطو في العقد الخامس، وفي منظور أمه مازال المراهق الذي لا بد أن يتلقى التوبيخ والتعليمات كل يوم، ولا بأس بذلك من لسان الأم لأنها تنطلق من خلال عاطفة جياشة تجعلها تصر على أنها صاحبة الرأي الملائم لأبنائها حتى لو كانوا كهولاً وأصحاب أحفاد، كما هو صديقي الذي يرى في والدته امرأة حكيمة بشهادة نساء العائلة جميعاً، لكن تغلب العاطفة على الحكمة حين يكون الأبناء هم المعنيون.
ختام القول وأفضله؛ إنه من الرائع أن تكون لديك فيلّا عظيمة وزوجة جميلة وأطفالاً سليمين أذكياء وأموالاً لا حصر لها، ولكن الأجمل من هذا كله أن تكون لديك أم تحتضنها وتقبلها كل صباح، وقبلها تتصبّح بوجهها.. تدعو لك بالتوفيق والسلامة.. الحقوا على أمهاتكم فهن التّعزية في الحزن والرّجاء أمام نكبات الدنيا والقوة حين ضعفها.. ولأجلك حتى إذا صغر العالم وقسى فالأم تبقى كبيرة معطاء حنوناً.