يأتي هذا المقال انطلاقاً من التوجه الثقافي الذي رأته وزارة الثقافة هذا العام (2025م) للاهتمام بالحِرَف اليدوية، وما تمثّله من تجسيد لموروثنا الإبداعي، وتفاصيلنا الثقافية المتنوعة، وترسيخ مكانة الحِرَف اليدوية محلياً، وعالمياً، بوصفها تراثاً ثقافياً، وركيزة من ركائز الهوية السعودية؛ لذلك يحسب للوزارة سعيها نحو نشر الوعي الحِرَفيّ، وصونه، واقتنائه، وتوثيق قصصه، ومن هنا وُلِدت فكرة هذا المقال؛ ليكون إسهاماً متواضعاً في دعم قيمة الحِرَف اليدوية، وذلك من خلال كشفنا عن ألقاب بعض المؤلفين الذين حملوا هذا الطابع الحِرَفي، وعُرِفوا به، واشتهروا من خلاله.

لقد عرف التراث العربي كثيراً من العلماء الحِرَفِيّين، ولسنا نعني بذلك أنهم برعوا في تلك الحِرفة، أو امتهنوها – وإن كان بعضهم كذلك – غير أننا هنا نحاول الوصول إلى بعضهم من خلال تلك الحِرَف التي حَمَلت أسماءهم، فمن ذلك في الفقه - مثلاً - نجد أبا محمد الحسن بن علي البربهاري (329 هـ)، والبربهاري نسبة إلى (البربهار)، وهي أدوية كانت تجلب من الهند قديماً، كان يقال لجالبها (البربهاري)، وربما اشتُقت منها (البهارات) المعروفة اليوم في إعداد الطعام، ومثله: أبو بكر، محمد بن أحمد المعروف بابن الحدّاد (345هـ)، وغيرهم.

وفي الحديث نذكر: خالد بن مهران البصري الحذّاء (ت 142هـ)، وهو تابعي، وأحد رواة الحديث النبوي، لكنه لم يكنّ حِرَفيّاً، وقد صرّح بذلك حينما سُئل، فقال: «ما حذوت نعلاً، ولا بعتها، ولكن تزوّجت امرأة من بني مجاشع، فنزلت عليها في الحذّائين هناك، فنُسبت إليهم».

ومن علماء اللغة أيضاً - وهم كثير - نذكر أبا بكر بن السرّاج (316هـ)، وأحمد بن محمد بن منصور، المعروف بأبي بكر الخياط (320هـ)، ومنهم: أبو جعفر النَّحَّاس (338هـ)، وابن الدَّهَّان البَغْدَادي (569هـ)، و أبو منصور الجواليقي (540هـ)، على أنه قد يغلب اسم اللغوي على لقبه الحِرَفيّ، كما هو الحال عند (ابن يعيش النحوي 643هـ) الذي كان يعرف أيضاً بابن الصائغ، وبعض أولئك العلماء ربما امتهن الحرفة نفسها، أو نُسِب إلى من امتهنها من آبائه، أو أجداده، وقد تغلب ألقابهم الحِرَفيّة عليهم دون وجود مهنة بعينها.

أما الأدباء والنقاد ومن سلك مسلكهم من الشعراء أو الكاتبين، فهم كذلك كثير، نذكر منهم: الخُبز أَرزي، أو الخبزرزي، وهو نصر بن أحمد (317هـ)، شاعر غزل عباسي، قيل: إنه كان أُميّاً، يخبز خبز الأرز بمربد البصرة في دكان، وينشد أشعاره في الغزل، والناس يزدحمون عليه، ويتعجبون من حاله، وربما كان مثله (الوأواء الدمشقي 613هـ)؛ لأنه كان يتاجر بالفواكه، ومنهم: أبو الحسن السري بن أحمد بن السري الرّفاء (366هـ)، شاعر مشهور، كان في صباه يرفو، أي يخيط، وممن نذكرهم أيضاً: الخطيب الإسكافي (420هـ)، كان إسكافيًا، ثم خطيبًا؛ لهذا سمي بالخطيب الإسكافي، ولعل من أبرز الأدباء ذوي اللقب الحِرَفيّ أبو منصور الثعالبي (429هـ) صاحب المصنّفات الكثيرة، قيل: إنه لُقّبَ بذلك؛ لأن والده كان فرَّاءً يخيط جلود الثعالب.

وقد يتكرّر الوصف الحِرَفي عند غير واحد، كما عند الحدّاد، والإسكافي، والزجاجي، والنجّار، والثعالبيّ، وغيرهم، وقد نجد أعلاماً آخرين حملوا أوصافاً حِرَفِيّة أخرى، كابن الخبّاز، وابن الدبّاغ، وابن الطرّاز، وابن الدجاجي، وابن العصّار، وابن الطحّان، والجوهري، والدهّان، والطرّازي، والوزّان، وغيرهم، وهي ألقاب لم تكن حائلاً بينهم وبين الإبداع والتأليف، سواء نُعِتوا بها، أم امتهنوها صراحة.