عشية إطلاق رؤية السعودية 2030 قال عرابها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إنها (ستلتهم مشاكلنا)، ويقصد بذلك مشاكل البطالة والإسكان والبينة التحتية وغيرها. الآن مضت نصف الفترة المحددة، وتبدو أغلب هذه المشاكل من الماضي. هل هذا كل الحكاية؟ لا بالطبع.
الحكاية المهمة أن الرؤية لاتزال بنفس الزخم والحماس رغم مرور أكثر من ثماني سنوات، وهي حالة نادرة في عمليات التحول والإصلاح التي تخفُت بعد مرور سنوات قليلة، والإدارة الحكومية قادرة على السير بنفس السرعة والقدرة والكفاءة، ويصادق على ذلك أرقام المنظمات والتصنيفات الدولية.
الأسبوع الماضي عشنا جميعًا مع حدث المنتدى الاقتصادي العالمي (دفواس) والذي كان سعوديًا بامتياز. حيث كانت السعودية القصة الأبرز، ووزراؤها الأكثر حضورًا وتأثيرًا، بل كان المنتدى مكانًا لشهادات عالمية مثل تلك التي تحديث عنها الملياردير العالمي لاري فينك مؤسس «بلاك روك» عندما قال: لم أرَ قط وزراء حكومة أكثر تعاونًا فيما بينهم من وزراء السعودية.
الوزراء أنفسهم كان لهم حضور لافت، فوزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم في مشاركته اختصر تعريف الرؤية بالقول: إنها عملية لإعادة بناء للاقتصاد السعودي، ومن خلالها أدركنا ما هو الاقتصاد الذي نريد، وننظر إلى العالم بعدستين إحداها ترى أين نحن والأخرى نحو المستقبل، والرؤية تسير على المسار الصحيح بزخم متصاعد، ورحلتنا في منتصفها». وزاد البراهيم: رؤية 2030 انطلقت بقرارات جريئة في الموجة الأولى، والموجة الثانية تركز على تحديات أكثر تعقيدا بشراكة القطاع الخاص.. الوزراء وفرقهم يعملون حتى 16 ساعة يوميًا لضمان تحقيق الأهداف والاستجابة لاحتياجات القطاع الخاص». انتهى كلامه.
وزير المالية محمد الجدعان أخذنا إلى بعد مالي مهم جدًا، وذلك عندما أشار إلى «رؤية 2030» أساسها مواجهة الصدمات بأنسب الحلول وخلق اقتصاد أكثر مرونة». ولعل هذا القول للوزير الجدعان يسنده ما حدث خلال الجائحة وقدرة المملكة على تجاوز الصدمة، فضلا عن قدرتها على تجاوز تحديات أسعار البترول العالمية خلال السنوات الماضية والتي كانت أقل من المأمول.
الوزراء لم يكتفوا بالحديث عن الرؤية وشرحها للعالم، بل ذهبوا إلى محاولة مساعدة اقتصاد العالم على الاستدامة، وذلك بالدعوة بضرورة إيجاد مؤشرات متنوعة لقياس للاقتصادات بدلا من الاكتفاء بالناتج المحلي كمعيار، وذلك من خلال ندوة أقامتها وزارة الاقتصاد والتخطيط في المنتدى بعنوان أساليب جديدة لقياس النمو بغير الناتج المحلي الإجمالي» حيث أشار البراهيم إلى أن تنوع مصادر الاقتصاد أساس ذو أهمية، والاكتفاء فقط بالناتج المحلي قد يكون مضللا، بينما شدّد الجدعان، على أن قياس النمو الاقتصادي لا يقتصر فقط على مؤشر الناتج المحلي الإجمالي، بل يجب أن يتضمن مؤشرات إضافية لضمان أن يكون شاملاً وقوياً ومستداماً.
ومن أجمل ما سمعت من تصريحات قول الجدعان إن الشعب السعودي جميعه كان خلف رؤية 2030، وإشارته إلى أن المملكة استهدفت عائد بقيمة 100 دولار لكل دولار يتم إنفاقه عند إنشاء هيئة كفاءة الإنفاق وحققت الضعف. تصريحات وزير السياحة أحمد الخطيب كان لافتة، وشدني قوله إن «لدينا أصول سياحية موزعة في جميع أنحاء المملكة تجنبا للإفراط السياحي في مدينة واحدة، وأن عدد السياح بلغ 30 مليون سائح سنويا في المملكة وهدفنا الوصول إلى 70 مليونا». كريستالينا جورجيفا المدير العام لصندوق النقد الدولي، قالت إن السعودية تقدم نموذجًا ملهمًا للتحوّل، حيث يجمع بين التفكير الاستباقي والتخطيط الاستراتيجي الذي يضمن استدامة التقدم في مختلف القطاعات، وعلى رأسها السياحة، وعبرت عن انبهارها بالتحول في العلا ودعت العالم لزيارتها.