بالتزامن مع بدء العمل ببرامج رؤية 2030، قررت المملكة أن تشن حرباً على الفساد بكل صوره وأشكاله، انطلاقًا من إدراكها بأنه يتقاطع مع أهداف الرؤية وتطلعاتها، ويهدد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما دفع البلاد إلى إظهار أهمية كبرى لتعزيز قيم النزاهة والشفافية في مؤسسات الدولة، والتحذير من الفساد؛ وضرورة اجتثاث جذوره، واعتبار ذلك مهمة وطنية، ينبغي أن يساهم فيها الجميع، من أجل الحفاظ على المال العام، وحماية المكتسبات الوطنية، ولعل الحملة التي انطلقت آنذاك أكبر دليل على جدية المملكة في هذه الحرب، التي لم تستثن أحداً، بغض النظر عن المسميات أو المناصب.
ونظراً لأهمية الحرب على الفساد، لم تحدد المملكة نهاية لها، وأوعزت إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) بقيادتها، دون مهادنة أو مجاملات، ومنحتها الصلاحيات الكاملة، للقضاء على الفساد وملاحقة الفاسدين، وبالأمس البعيد، خطت المملكة خطوة جديدة في تلك الحرب، عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أمراً ملكياً، يقضي بالموافقة على قواعد إجراء التسويات المالية مع من ارتكبوا جرائم فساد من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية، هذه الخطوة تساعد في إغلاق ملفات فساد عدة، بعد استعادة الأموال المنهوبة، وتحقيق العدالة الناجزة في قضايا الفساد المالي.
لا شك أن الأمر الملكي، يؤكد لمن يهمه الأمر، أن المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي العهد، مستمرة في اتخاذ جميع الإجراءات والوسائل والآليات اللازمة لتحقيق النزاهة في أزهى صورها، واستعادة الأموال والعائدات الناتجة من جرائم فساد، كما أنه فرصة من ذهب، لكل من أخطأ بحق نفسه ووطنه لتصحيح أوضاعه بطريقة نظامية، الأمر الذي يجعل إقرار قواعد إجراء التسويات المالية، صورة من صور العدالة الرضائية لمكافحة الفساد المالي؛ تثمر في نهاية الأمر عن إحقاق الحق، وإرساء دعائم العدل، وردع كل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم الفساد.
وتقوم «نزاهة» بدورها في مشاركة أصحاب الاختصاص والمهتمين ومختلف فئات المجتمع والقطاعين العام والخاص؛ من خلال تنظيم الفعاليات والأنشطة التي تُساهم في التوعية والتثقيف بآثار ومخاطر الفساد على الأفراد والمجتمع؛ ما يبرز جهود المملكة المبذولة في هذا السياق، التي تظل منجزات مهمة للإسهام في الوصول إلى مجتمع طموح وحيوي، ينعم بالنزاهة بجميع بأنماطها، ولم تنس الهيئة أن تكرر تأكيدها بأنها تحافظ على سرية بيانات المبادرين بإجراء التسوية، وعدم الكشف عنها لأي جهة كانت، ما يشجعهم على الدخول في تسويات رضائية.