بدأ القرن الواحد والعشرون (الذي نعيش مجرياته) في 1 يناير من عام 2001 وسينتهي حسابيّا في 31 ديسمبر 2100 وفقًا للتقويم الميلادي. والسؤال اليوم كيف انتهى بنا رُبعه الأول ونحن ندلف إلى الربع الثاني في عالم تتشكّل صورته وأحداثه بشكل مثير، تاريخيّا مثّلت هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابيّة افتتاحيّة القرن وأدّت إلى تحريك ما هو أعظم؛ فباسم الحرب على الإرهاب كان الغزو الأميركي لأفغانستان (2001) والعراق (2003) وإعادة تشكيل التحالفات والجغرافيا السياسيّة في الشرق الأوسط، ومن ثم تأجيج الصراعات الممتدّة في المنطقة، ثم تلاحقت الأزمات في ربع القرن الأول مع إعلان الأزمة المالية العالمية (2008) بعد انهيار مَصْرِف "ليمان براذرز" وبعض البنوك الكبرى تبعًا لمشكلات الرهن العقاري وكانت أزمة حادّة قادت الاقتصاد العالمي إلى الركود العميق، وزيادة البطالة، وفقدان الثقة في النظام المالي العالمي، ومن ثمار ذلك ظهور الحركات الشعبويّة في الولايات المتحدة وأوروبا على نطاق واسع، ومن الآثار الممتدّة لهذه المتغيرات أيضا اتّضاح حقيقة أنّ الولايات المتحدة لم تعد القوّة العظمى الوحيدة في العالم إذ بدأت هيمنتها تتراجع بسبب الحروب الطويلة (مثل العراق وأفغانستان) والأزمات الاقتصاديّة، ما أتاح المجال لصعود قوى أخرى وخاصة الصين.
ولم يكد العالم يستفيق من صدمة أزمته المالية حتى أشعلت الخطط والسياسات الأميركية والغربية النار الخامدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع منتصف عام 2010 فيما بات يُعرف بالربيع العربي لتشتعل عدّة دول في المنطقة بالاضطرابات والفوضى وتنشّط الإرهاب من جديد، وعلى إثر ذلك واجهت هذه الدول موجات العنف والاحتراب وانعدام الأمن، وما زال بعضها تحت وطأة تلك الأحداث حتى اليوم. ومن نتائج ذلك أيضا تدفّق موجات الهجرة الجماعية من سورية وأفغانستان وأفريقيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى تأجيج الحركات اليمينية المتطرّفة وإثارة قضايا آثار الهجرة وتلاشي شعارات التعدديّة الثقافية.
ومن أبرز ملامح الربع الأول من القرن الـ 21 المؤثرة ظهور مفاعيل الشبكات الاجتماعية على السياسات والحركات الاجتماعية خاصة في الولايات المتحدة ومنها حركة "احتلّوا وول ستريت (2011)" (Occupy Wall Street)، وحركة حياة السود مهمّة (Black Lives Matter) (2013 وما زالت)، وكذلك حركة وأنا أيضا "Me Too Movement "2017، وغيرها.
وقبل أن ينتهي الربع الأول من القرن الواحد والعشرين ظهرت (من العدم!) كارثة فيروس كوفيد 19 (كورونا) التي اجتاحت العالم وشلّت حركة النقل والسفر وغيّرت طريقة التواصل وأداء الأعمال ونماذج الاقتصاد، وأصبح وأمسى العالم كلّه في مواجهة يومية مع الموت أمام محطّات الأخبار وهي تبث جداول أرقام الضحايا قبل وبعد أسعار البورصات ونشرات الأحوال الجوية اليومية. ثم تبع ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا (2022) ما أعطى بُعدا جديدا للتحالفات والعلاقات الدولية وأثار (وما زال) يؤجج توترات جيوسياسية عالمية وينشّط عودة الانقسام بين الشرق والغرب فضلًا على سباق التسلح الأوروبي مع تصاعد المخاوف من اندلاع صراع عالمي قد لا تكون الأسلحة التقليدية وحدها من أدواته.
وقبل أن يقفل الربع الأول من القرن الـ21 حساباته كانت حرب إسرائيل على غزة -على مرأى من العالم- قد حصدت أرواح ما يزيد على 45 ألف بريء، وجرح أكثر من 100 ألف ضحية، مع تدمير كامل لعشرات المدن والبلدات الفلسطينية، ثم أتى خروج ميليشيا حزب الله ونظام بشار الأسد من المشهد السياسي ليمثّل خاتمة الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.
قد تكوّن المعلومة رأيًا حين يفقد الرأي ضميره..