كمتابع للحالة الاقتصادية الوطنية، أستطيع التأكيد من أن الحديث عن الاستدامة العقارية، لم يعد في بلدنا إطارًا نظريًا فضفاضًا، بل تحول إلى سياسات تنفيذية واضحة تتجسد في التشريعات التي تدعم البناء الأخضر، وتوظيف التقنية في إدارة المدن، وتعزيز التخطيط الحضري الذي يوازن بين التطوير العمراني وحماية الموارد الطبيعية..
تشهد المملكة اليوم تحولًا نوعيًا في قطاع العقار يعكس رؤية طموحة ترتكز على الاستدامة، والتخطيط الحضري المتقدم، والاستثمار في المدن الذكية، فمنذ إطلاق رؤية السعودية 2030، أصبح القطاع العقاري، ليس فقط أحد محركات النمو الاقتصادي، بل عنصرًا رئيسًا في تحسين جودة الحياة وتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية، فضلًا عن أن القيادة الرشيدة أولت اهتمامًا استثنائيًا بهذا القطاع، مُدركةً أن تطويره لا يقتصر على البناء والتشييد، بل يشمل إعادة هيكلة الأنظمة، وتحديث التشريعات، وجذب الاستثمارات طويلة الأمد، بما يسهم في تحقيق توازن بين التطوير العمراني والاستدامة الحضرية.
وفي هذا السياق، جاءت دورات منتديات مستقبل العقار كمنصة رئيسة تستعرض التحولات التي يشهدها القطاع، وتسهم في بلورة الأفكار والحلول التي تعزز من كفاءته وجاذبيته الاستثمارية، وخلال النسخة الرابعة من المنتدى الذي انتهت أعماله الأربعاء الماضي، كان التركيز واضحًا على كيفية الانتقال بالعقار من كونه سوقًا تقليدية إلى نموذج حديث يعتمد على التقنية والابتكار والاستدامة، من خلال مناقشة موضوعات التمويل العقاري، والمناهج المُبتكرة للتمويل والاستثمار، ودور التحول الرقمي في تسهيل رحلة تملك السكن، وإسهام التقنية في صناعة العقار، إلى الاتجاهات العالمية في العقار، وتأثير الرياضة والترفيه على صناعة العقار في المملكة.
في قلب هذه التحولات، كان لماجد الحقيل، وزير البلديات والإسكان، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار، دورٌ محوري في قيادة الإصلاحات العقارية، سواء من خلال تطوير البنية التنظيمية، أو دفع عجلة الاستثمارات العقارية، أو تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، مع التأكيد على أن هذا الدور لم يكن منفصلاً عن التوجه العام للدولة، بل جاء في سياق استراتيجية متكاملة تهدف إلى تحقيق التوازن في السوق، وتحسين شفافيته، وتعزيز استدامتها.
أحد أبرز المحاور التي ركز عليها المنتدى، والتي أكدها الحقيل في كلمته الافتتاحية، هي أهمية التشريعات العقارية الحديثة في دعم الاستدامة وجذب الاستثمارات، وخلال السنوات الأخيرة، تم إصدار أكثر من 20 تشريعًا عقاريًا عبر الهيئة العامة للعقار، من بينها: تحديثات على نظام الوساطة العقارية، ونظام التسجيل العيني للعقار، ونظام بيع وتأجير المشروعات العقارية على الخارطة، وجميعها تستهدف تنظيم السوق، وحماية حقوق المستثمرين والمستهلكين، وتعزيز الشفافية في المعاملات العقارية، ومن المهم للرأي العام المحلي، أن يعي أن هذه الإصلاحات لم تضبط سوقنا المحلي، بل جعلت المملكة إحدى أكثر الأسواق العقارية تحسنًا، وفق تقرير مؤشر الشفافية العقارية العالمي لعام 2024، وهو ما يعكس ثقة المستثمرين الدوليين ببيئة الأعمال العقارية السعودية.
وكمتابع للحالة الاقتصادية الوطنية، أستطيع التأكيد من أن الحديث عن الاستدامة العقارية، لم يعد في بلدنا إطارًا نظريًا فضفاضًا، بل تحول إلى سياسات تنفيذية واضحة تتجسد في التشريعات التي تدعم البناء الأخضر، وتوظيف التقنية في إدارة المدن، وتعزيز التخطيط الحضري الذي يوازن بين التطوير العمراني وحماية الموارد الطبيعية.
كما أن أحد أبرز الملفات التي تستحوذ على اهتمام صناع القرار في القطاع العقاري هو التحول نحو المدن المستدامة، وهو ما ظهر جليًا في المشاريع الكبرى مثل نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، من خلال تطبيق معايير التخطيط الذكي، واستخدام الطاقة النظيفة، واعتماد استراتيجيات تخطيط عمراني تتناسب مع تحديات المستقبل، يعني ذلك، أن العقار في مملكتنا لم يعد قطاعًا إنشائيًا بحتًا، بل أصبح جزءًا من رؤية أشمل تعتمد على التكنولوجيا والاستدامة كمحركات رئيسة للنمو.
الخلاصة النهائية، هي أن المملكة لا تعيش اليوم طفرة عقارية تقليدية، بل تعيد تعريف مفهوم العقار، ليكون أكثر استدامة، وتوافقًا مع معايير الاقتصاد الحديث، التي تفرضها المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.. دمتم بخير.