لا يوجد أجمل من الكتابة عن الأفكار المثيرة أو القصص المدهشة والتي تُمارس دور الإلهام وتُحرضنا على صنع الأحلام، الدروس والعبر ليست بالضرورة من البشر، بل قد تجدها في الحجر والشجر، لشجرة الخيزران الصينية أو كما تُعرف بشجرة البامبو قصة ملهمة، تستحق أن تفوز بكل الجوائز والألقاب التي تُمنح لأكثر القصص إثارة وإلهاماً.
والكتابة عن هذه الشجرة المثيرة التي قد يبلغ طولها 30 متراً، أي ما يُعادل بناية مكونة من عشرة طوابق، تحتاج لمقالات ودراسات علمية محكمة وأفلام وبرامج وثائقية متخصصة، ولكنني سأقترب من هذه الشجرة المعمرة التي تنتمي لعائلة (Poaceae) والتي تضم أكثر من 1400 نوعاً وأكثر من 115 جنساً.
شجرة الخيزران الصينية، أنبوب طويل مزدحم بالعجائب والغرائب، ولكن "طريقة النمو" لهذه الشجرة العجيبة هي الأكثر إثارة بين كل أنواع الأشجار حول العالم، فخلال الأعوام الخمسة الأولى وبعد أن تُغرس بذرتها في الأرض لا تنمو على الإطلاق، ولا يظهر خلال كل هذه المدة الطويلة سوى برعم صغير جداً يأخذ شكلاً ملتوياً ويُجاهد خلال كل هذه الأعوام الخمسة من أجل البقاء حياً، ولكنه بعد ذلك لا يحتاج لأكثر من ثلاثة أشهر فقط لتنمو سيقانه لأكثر من 30 متراً دفعة واحدة.
قد لا يُصدق البعض هذا ولكن ذلك يحدث بالفعل، فخلال أول ستين شهراً تنمو جذور شجرة الخيزران أسفل التربة وتصنع لها شبكة معقدة وممتدة من الجذور تُشبه كثيراً مترو الأنفاق في لندن والذي أنشئ عام 1863 كأول مترو أنفاق في العالم. وخلال الأيام التسعين التالية وبعد أن تكتمل قوة الجذور المتشعبة في الأرض، تبدأ سيقان الخيزران في رحلة مجنونة من النمو لتُعانق السماء، وقد يصل معدل نموها 100 سم في اليوم الواحد، وهي بذلك تكون من أبطأ وأسرع النباتات نمواً ولكن على مرحلتين من عمرها.
ما أروع هذا الدرس الثمين الذي تُقدمه هذه الشجرة الصبورة لنا نحن البشر، خاصة في هذا العصر الذي يُطلق عليه عصر السرعة!. فنحن نبحث عن السرعة في كل شيء، في الأكل والشرب، في الفوز والربح، في الشهرة والأضواء، نحن نُريد حدوث كل شيء بسرعة، ولا يهمنا تبعات وآثار كل تلك السرعة المجنونة التي أصبحت عنوان حياتنا.
"الصبر هو أفضل معلم في هذه الحياة"، حكمة عميقة ومفيدة، تستحق أن تتصدر واجهة فكرنا ومزاجنا، لنُحقق أهدافنا وأحلامنا بهدوء وسكينة، بعيداً عن العجلة والتسرع، تماماً كما تفعل شجرة الخيزران.