اللقاء التاريخي الذي جمع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع يعبر بجلاء عن بداية حقيقية لحقبة جديدة للدولة السورية حيث الأمن والاستقرار هدفها، والعروبة أصلها ومرجعيتها، وتعزيز الأمن القومي العربي غايتها..

بزيارة رئيس الجمهورية العربية السورية للمملكة العربية السعودية، ولقائه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله–، في 2 فبراير 2025م، تبدأ مرحلة جديدة من العلاقات الإيجابية والبناءة بين البلدين الشقيقين. وهذه المرحلة الجديدة التي تحمل في عناوينها الكثير من الإيجابيات استبقتها الكثير من الرسائل البنَّاءة والقيم السَّامية التي تجعل من التفاؤل بمُستقبل العلاقات مسألة طبيعية وأمرٌ مسلم به انطلاقاً من الأخوة الصادقة التي دفعت المملكة العربية السعودية للوقوف الكامل مع أبناء الشعب السوري مُنذُ يومهم الأول، الذي طالبوا فيه برفع الظلم عنهم ووقف عدوان وإجرام حكومة وسلطة حزب البعث عليهم، في مارس 2011م، وصولاً إلى تقديم جميع أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والإنساني والمادي والإعلامي وغيرها من أشكال الدعم والمساندة المشروعة، وانتهاءً بالاعتراف السياسي بالحكومة السورية الجديدة التي وصلت للسلطة في 8 ديسمبر 2024م. نعم، أربعة عشر عاماً تشهد للمملكة العربية السعودية في وقفتها الأخوية الصَّادقة، مع أبناء الشعب السوري، التي قدمت خلالها جميع أشكال وأنواع ووسائل الدعم والمساندة والتأييد الكامل حتى تمكنوا من استعادة دولتهم وإقامة حكومة واختيار رئيسهم بالطريقة والأسلوب والشكل الذي يناسبهم ويحقق رغباتهم وتطلعاتهم. وإذا كان الـ 8 من ديسمبر 2024م يمثل انتهاء حقبة زمنية سخَّرت خلالها المملكة العربية السعودية الكثير من الإمكانات والقدرات والموارد لدعم ومُساندة أبناء الشعب السوري ليتمكنوا من تحقيق تطلعاتهم الوطنية السّامية، فإن هذا التاريخ، كذلك، يُمثل بداية حقبة زمنية جديدة سخَّرت فيها المملكة العربية السعودية الكثير من الإمكانات والقدرات والموارد لتعزيز حالة الوحدة الاجتماعية ووحدة الصف والكلمة بين أبناء الشعب السوري، وكذلك لتعزيز حالة الأمن والسلم والاستقرار في الدولة السورية، بالإضافة لبذل الجهود السياسية والدبلوماسية الكبيرة لتمكين الحكومة السورية الجديدة من العمل والتواصل على جميع المستويات الإقليمية والدولية والعالمية. نعم، فمُنذُ اليوم الأول لوصول أبناء الشعب السوري للسلطة في الـ 8 من ديسمبر 2024م، بادرت المملكة العربية السعودية بإرسال الوفود الرسمية على اختلاف مستوياتهم وصولاً للزيارة الرسمية التي قام بها وزير خارجيتها، بالإضافة للأعمال العظيمة التي يقوم بها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية من تقديم للمساعدات الإنسانية والاحتياجات الأساسية لجميع أبناء الشعب السوري في مختلف المناطق والإقليم والمدن والأرياف السورية، وكذلك سعيها الدؤوب لرفع العقوبات الدولية المفروضة على الدولة السورية، والتي تحققت فعلاً. نعم، إنها أربعة عشر عاماً من الشهامة والفروسية والنُبل والأخوة الصَّادقة التي عُرفت بها المملكة العربية السعودية في دعمها ومساندتها وتأييدها للشعب السوري حتى أثمرت تلك الأعوام الطويلة انتصاراً عظيماً حققه أبناء الشعب السوري بوصولهم للسلطة، وبإقامتهم لحكومتهم الجديدة، وباختيارهم لرئيسهم الجديد.

وإذا كانت المملكة العربية السعودية في وقفتها مع أبناء الشعب السوري الكريم لم ترجُ من ذلك إلا رفع الظُّلم والقهر عنهم، ووقف العدوان والإجرام والإرهاب الواقع عليهم من سلطة نظام البعث، ورغبة في عودة سورية للمجتمع العربي لتساهم في أمنه واستقراره على جميع المستويات وفي كل المجالات، فقد تحققت للمملكة العربية السعودية تلك التطلعات البناءة، والأمنيات الصادقة، عندما انتصر أبناء الشعب السوري وأقاموا حكومتهم واختاروا رئيسهم الجديد، وعبَّروا بصدق عن توجهاتهم البنَّاءة والهادفة لبناء مجتمع ودولة سورية آمنة ومستقرة، ومن ذلك ما تضمنه خطاب رئيس الجمهورية العربية السورية، في 30 يناير 2025م، وبثته وسائل الإعلام ومنها CNN عربية، وجاء فيه الآتي: إن سورية "تحررت من قيود نظام مجرم جثم على صدورنا لعقود، حيث تحررت بالشهداء والمعتقلين والمعتقلات والمعذبين والمعذبين والمفقودين والمفقودات وجميع أمهاتهم الثكالى وأهلهم المكلومي، بسبب تضحياتهم وتضحياتكم جميعاً"، وتابع: "سنعلن في الأيام القادمة عن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، والذي سيكون منصة مباشرة للمداولات والمشاورات واستماع مختلف وجهات النظر حول برنامجنا السياسي القادم، وسنعلن عن الإعلان الدستوري ليكون المرجع القانوني للمرحلة الانتقالية". وأكد على "تحقيق السلم الأهلي وملاحقة المجرمين الذين ولغوا في الدم السوري وارتكبوا بحقنا المجازر والجرائم وإتمام وحدة الأراضي السورية، وفرض سيادتها تحت سلطة واحدة وعلى أرض واحدة". وكذلك تعهد بـ"بناء مؤسسات قوية للدولة تقوم على الكفاءة والعدل لا فساد فيها ولا محسوبية ولا رشاوى، وإرساء دعائم اقتصاد قوي يعيد لسورية مكانتها الإقليمية والدولية، ويوفر فرص عمل حقيقيه كريمة لتحسين الظروف المعيشية واستعادة الخدمات الأساسية المفقودة". ووجه الشرع دعوة لـ"جميع السوريين للمشاركة في بناء وطن جديد يحكم فيه بالعدل والشورى معاً". وأضاف كذلك بأن "أولويات سورية اليوم ملء فراغ السلطة والحفاظ على السلم الأهلي وبناء مؤسسات الدولة والعمل على بناء بنية اقتصادية تنموية واستعادة سورية لمكانتها الدولية والإقليمية". نعم، إن هذه الأهداف السَّامية التي تضمنها خطاب رئيس الجمهورية العربية السورية في خطابه الرئاسي الأول تتوافق تماماً مع التطلعات السّامية التي جعلت من المملكة العربية السعودية تُبادر لدعم وتأييد ومُساندة أبناء الشعب السوري، وبعد ذلك الاعتراف بانتصارهم عند تمكنهم من السلطة، ودعم حكومتهم الحالية ورئيس دولتهم الجديد على جميع المستويات الإقليمية والدولية والعالمية.

وإذا كانت هذه الجهود العظيمة التي وقفتها المملكة العربية السعودية مع أبناء الشعب السوري الشقيق قد أثمرت إيجابيات عظيمة على جميع المستويات الشعبية والرسمية وبما يعزز مكانة الأمن القومي العربي، فإن أبناء الشعب السوري عبّروا بعز وإجلال عن شكرهم وعظيم تقديرهم ووفائهم تجاه المملكة العربية السعودية التي وقفت معهم خلال الأربعة عشر عاماً داعمةً لجهودهم الجبَّارة حتى وصولهم للسلطة، وذلك عندما بادر رئيسهم الجديد –رئيس الجمهورية العربية السورية– السيد أحمد الشرع بزيارته الخارجية الأولى للمملكة العربية السعودية في 2 فبراير 2025م، وذلك بعد ثلاثة أيام من تنصيبه رئيساً للدولة السورية في 29 يناير 2025م، وبعد أقل من شهرين على انتصارهم ووصولهم للسلطة في الـ8 من ديسمبر 2024م. وإذا كانت هذه الزيارة التاريخية لرئيس سورية الجديد تعبر عن مسائل إيجابية كثيرة تجاه المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة، فإن إحدى هذه المسائل يتمثل بالإعلان عن بداية مرحلة جديدة من العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين الشقيقين. وإذا كانت هذه الرسائل البناءة والإيجابية عبرت عنها زيارة الرئيس السوري الجديد للمملكة العربية السعودية، فإن هذه الرسائل البناءة والإيجابية قابلتها المملكة العربية السعودية كذلك برسائل بناءة وإيجابية وهذا الذي يمكن قراءته بوضوح في الخبر الذي بثته واس في 2 فبراير 2025م، وجاء فيه الآتي: "استقبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في مكتب سموه بقصر اليمامة في الرياض، اليوم، فخامة الرئيس أحمد الشرع رئيس الجمهورية العربية السورية. وفي بداية الاستقبال عبر سمو ولي العهد عن التهنئة لفخامته بمناسبة توليه رئاسة الجمهورية العربية السورية، متمنياً له التوفيق والسداد في تحقيق آمال وطموحات الشعب السوري الشقيق. من جانبه أعرب فخامته عن شكره وتقديره لسمو ولي العهد على مشاعره الصادقة، وعلى مواقف المملكة تجاه الجمهورية العربية السورية والشعب السوري. وجرى خلال الاستقبال، بحث مستجدات الأحداث في سوريا والسبل الرامية لدعم أمن واستقرار سوريا الشقيقة. كما جرى مناقشة أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وفرص تعزيزها في مختلف المجالات، إلى جانب استعراض تطورات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة بشأنها.".

وفي الختام من الأهمية القول: إن اللقاء التاريخي الذي جمع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله –، ورئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع يعبر بجلاء عن بداية حقيقية لحقبة جديدة للدولة السورية حيث الأمن والاستقرار هدفها، والعروبة أصلها ومرجعيتها، وتعزيز الأمن القومي العربي غايتها. نعم، إن انتصار الشعب السوري الكريم على سلطة البعث المتطرفة يمثل في حقيقتها عودة الدولة السورية لشعبها أولاً، ولمجتمعها ثانياً، ولعروبتها وأصالتها التاريخية ثالثاً، وهذه الأهداف السَّامية التي جعلت المملكة العربية السعودية تبادر في تقديم الدعم والمُساندة والتأييد للشعب العربي الأصيل في الجمهورية العربية السورية.