المؤثر البشري صاحب الشعبية في السوشال ميديا، هو ببساطة ممثل بارع، وما يقوم به مدروس بعناية ويخضع لسيناريو مرتب، بما في ذلك البكاء والصراخ والصراعات والغياب، وتحويل معاركه الشخصية أو جزء من يومياته إلى ترند، وما سبق يعمل باستمرار لمصلحته، وبما يحقق التذكير به، ويرفع أرقام متابعيه ومشاهداته، وبالتالي يعظم من قيمته الإعلانية.. وكل شخص من هؤلاء لا يتحرك منفردًا، وإنما يقف خلفه فريق متكامل..

تصرفات بعض مؤثري السوشال ميديا في المنطقة العربية غير مقبولة، وفيها استفزاز لمجتمعاتهم، ومن الأمثلة، ما قالته مؤخراً مؤثرة من شمال أفريقيا يتابعها عشرة ملايين على منصة تيك توك، فقد ذكرت أنها تأخذ على الساعة الإعلانية الواحدة ستة آلاف و500 دولار، بينما الأستاذ الجامعي في دولتها راتبه الشهري 800 دولار، والطبيب الاستشاري الحكومي ومعه المهندس لا تتجاوز رواتبهم 1200 دولار، وفي المقابل ذكرت مؤثرة سعودية معروفة على سناب شات يتابعها سبعة ملايين شخص أنها تنفذ أربعة إعلانات في اليوم الواحد، والحد الأدنى لقيمة الإعلان تصل إلى 70 ألف ريال، أو 26 ألف دولار، وبما إجماليه 104 آلاف دولار يومياً، و37 مليوناً و440 ألف دولار سنوياً، أو ما يعادل 100 مليون و800 ألف ريال، وهو رقم مبالغ فيه، بالنظر لمتوسط دخل الأسرة في المملكة، والذي يقدر بنحو 36 ألف دولار سنويًا، أو 120 ألف ريال، ولن أعلق تجنباً لإساءة الفهم، والمؤثرة استدعتها هيئة تنظيم الإعلام السعودية وتفاهمت معها، وللأمانة إيراداتها لا تقارن بأرباح المشاهير الفعليين في الشوسال ميديا، مثل كريستيانو رونالدو، ونيمار داسيلفا، فالأول يأخذ على كل منشور في انستغرام ثلاثة ملايين و200 ألف دولار، والثاني سعره مليون ومئة الف دولار.

في دراسة أجرتها شركة (دي آر سي) السعودية لأبحاث السوق وتحليل البيانات عام 2024، تبين أن متوسط عدد الإعلانات للمؤثر الواحد هو أربعة شهرياً وليس أسبوعياً، وبقيمة 268 ألف ريال، أو 68 ألف دولار، وما قالته المؤثرة السعودية ممكن نظرياً، وإن حدث، فإن من يتحمله فعلاً هو من قيم تأثيرها مالياً، وأبرز المنصات المستخدمة للإعلان في المملكة، تتصدرها سناب شات بنسبة 48 %، ومن ثم انستغرام بنسبة 29 %، وإكس بنسبة 23 %، ويوتيوب بنسبة 9 %، وقد وصلت أرباح سوق الإعلانات العالمي على السوشال ميديا في 2023 لما يزيد على 207 مليارات دولار.

في المقابل أرباح الإعلان في الداخل السعودي، طبقاً لأرقام هيئة الإعلام المرئي والمسموع، لا تقل عن 18 مليار ريال، أو أربعة مليارات و800 مليون دولار سنويا، ونصيب الإعلانات الرقمية فيها 45 %، أو حوالي ملياران و100 مليون دولار، وفي دراسة تمت على 12 شركة سعودية تعمل في مجال إدارة المؤثرين، وجد أن حصة المؤثرين من الإعلانات الالكترونية تصل إلى المليار و200 مليون ريال، أو 320 مليون دولار سنوياً، وهذا التغول الإعلاني لهم يحتاج إلى ضبط، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة.

المؤثر البشري صاحب الشعبية في السوشال ميديا، هو ببساطة ممثل بارع، وما يقوم به مدروس بعناية ويخضع لسيناريو مرتب، بما في ذلك البكاء والصراخ والصراعات والغياب، وتحويل معاركه الشخصية أو جزء من يومياته إلى ترند، وما سبق يعمل باستمرار لمصلحته، وبما يحقق التذكير به، ويرفع أرقام متابعيه ومشاهداته، وبالتالي يعظم من قيمته الإعلانية، وكل شخص من هؤلاء لا يتحرك منفرداً، وإنما يقف خلفه فريق متكامل.

الأهم أن ما يقدمه المؤثرون البشريون يمكن تعويضه، ويكون بإحلال المؤثر الافتراضي أو الرقمي محلهم، ومن نماذجه، مؤثرة افتراضية اسمها ليل بيكيلا، استطاعت الوصول لمليونين و600 ألف متابع على انستغرام، مع أنها مجرد روبوت تعمل بالذكاء الاصطناعي، واستفادت من إعلاناتها شركات كشانيل وجيفينشي، بالاضافة لبرادا وكالفين كلاين وكارتييه، بخلاف استعانة شركات إيكيا وسامسونغ ونايكي، بالشخصيات الرقمية لتسويق منتجاتها، واستنادًا لإحصاءات (ستاتيستا) في 2022، فإن 35 % من المستهلكين في أميركا اشتروا منتجًا أو خدمة في ذات العام، بعد ترويجها من قبل المؤثر الرقمي، ووفق أرقام شركة البيانات الأميركية (ألايد ماركت ريسرتش)، فالمتوقع أن تصل مكاسب المؤثرين الافتراضيين، وتحديداً في 2032، ألى 200 مليار دولار، وقطاع الأزياء والتجميل هو المستفيد الأول منهم، لأن كلفتهم لا تقارن بالمؤثر البشري، ونشرت فرانس برس أن وكالة الاعلانات الإسبانية (ذي كلو لس) وظفت مؤثرة افتراضية اسمها (اتيانا) لترويج بضائعها، وتوجد مؤثرة رقمية من المغرب العربي يتابعها 166 ألفًا على انستغرام، اسمها (كنزة ليلي)، وقد صورت إعلانا لسيارة من شركة هونداي.

المملكة لديها مشروع حكومي يعرف باسم إيغنايت، وتديره وزارة الاتصالات السعودية، وهو يستهدف إنجاز مجموعة من الأمور في 2030، أهمها؛ مضاعفة المحتوى الوطني في الصوتيات والبودكاست بمعدل ثلاثة أضعاف، وفي إعلانات الفيديو بنسبة 200 %، بجانب الألعاب الإلكترونية وتوطينها، ورفع الصادرت الرقمية السعودية من 4 % إلى 20 %، ومعها مستوى توطين الإعلانات الرقمية لنسبة مقبولة تتجاوز الـ7 %، وتقتطع جزءًا إضافيًا من كعكة الـ93 %، التي تذهب كإعلانات رقمية في منصات أميركية أو صينية وليست سعودية، والحل السريع، في رأيي ومن خلال قراءاتي، يكون بالاستحواذ على واحد من اللاعبين الكبار، في سوق الإعلان الرقمي العالمي، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي والمؤثرين الافتراضيين، باعتبارهما عاملين مهمين في حسم هذه المسألة وحوكمتها، وفي تحييد مؤثري الغفلة.