عبر التاريخ، لم تكن الحضارات كيانات منعزلة، بل تشابكت وتفاعلت وتبادلت الأفكار والمعارف بطرق متعددة، فيما يعرف بالتلاقح الثقافي.
هذا التلاقح لم يكن ليحدث بالشكل الذي نعرفه اليوم لولا دور الترجمة التي مثلت الجسر الذي يربط الشعوب ويتيح انتقال العلوم والفنون والفلسفات من لغة إلى أخرى.
إذن، التلاقح الثقافي هو عملية تبادل التأثير بين ثقافتين أو أكثر، مما يؤدي إلى تطور كل منهما عبر الأخذ والعطاء. قد يكون هذا التبادل مباشراً من خلال التجارة والتواصل البشري، أو غير مباشر عبر دراسة النصوص والآداب والفنون التي تنتقل بين المجتمعات. ومن خلال هذا التفاعل، تنشأ حضارات جديدة أو تتجدد الحضارات القائمة، فتستوعب ما يتناسب مع هويتها وتطور رؤيتها للعالم.
وبلاشك أن للترجمة من لغة لأخرى دورها المهم في التلاقح القافي، وبالذات ترجمة النصوص والأعمال الإبداعية للكتاب والمؤلفين.
وهذا ما تقوم به وزارة الثقافة السعودية التي أسست منذ وقت هيئة خاصة بهذا الأمر باسم: هيئة الأدب والنشر والترجمة، فجعلت من هذه الهيئة منظومة عمل متكاملة، ترتبط بعضها ببعض، حيث الأديب يؤلف، والناشر ينشر المنتج الإبداعي، ثم يأتي دور ترجمة تلك الأعمال وتقديمها للعالم لنقدم أنفسنا بشكل جيد، ونقدم ما لدينا من إبداع وإنتاج فكري وثقافي متنوع، وهو الأمر الذي جعل بعض دور النشر، وبعض شركات ــ الوكيل الأدبي ــ تتصدى لهذا الأمر وتقوم بهذا المجهود المهم، وهو الترجمة، لتنتقي أعمالاً متميزة تمثل الثقافة السعودي، والنمو الفكري والمعرفي الذي تشهده بلادنا لتقدمها للعالم.
فعلا هي جهود خلاقة ومتميزة تستحق الإشادة، خاصة إذا ما عرفنا أن الترجمة كانت، وعبر التاريخ، ولا تزال حجر الأساس في تطوير العلوم ونقلها بين الأمم.