هناك جهود كبيرة تقوم بها كثير من الجهات حول توعية «المواطن» بوضع برامج وخطط توعوية ووقائية تمنعه أن يكون صيدًا سهلًا وثمينًا لمحاولي اختراق حدودنا الإلكترونية وشراذم النصب والاحتيال.. والمهم أن يكون هناك تفاعل سريع وساخن مع مثل هذه المواقف من قبل الجهات ذات العلاقة، والأهم أيضًا هو يقظة المواطن وحذره من كل ما يؤذيه أو يطوله من محاولات تهكير واحتيال، فالأمر برمته هو مسؤوليتنا.

في عصر الفضاء التقني، والصحارى الإلكترونية -إن جاز التعبير- والمساحات الرقمية.. تمتد حدود لبلادنا لا متناهية، ولا معروفة، ولا موسومة، ولا متفق عليها.. حدودنا هنا هي حدود إلكترونية، بصرية، تقنية، فنية، رقمية، لا يضبطها ضابط معلوم، فكل ما حولها متغير، ومتبدل، ومتطور.

هناك نمط للاختراق والانتحال والاحتيال والنصب حين تكون "حدودنا الإلكترونية"، كوسائل التواصل الاجتماعي بالذات والمواقع الإلكترونية، منفذا من منافذ الخطر، والتسلل، ويتم من خلالها رسم خرائط العبث، والمشاكسة، وبثّ الإشاعة والأكاذيب، ومحاولات النصب والتحايل باستخدام عناوين وروابط مشابهة للروابط الرسمية.. ويكون الرد بطيئا، أو متواضعا، أو غير فعّال.. تكون حدودا مخترقة.. تسمح بتسلل كل متخلف عبر طرحه الفكري الملوث.

ونمط آخر؛ هناك اختراق صاخب يمر عبر حدودنا الإلكترونية التي تمثلها المواقع الإلكترونية للشركات والجهات والمؤسسات والبريد الالكتروني.. حيث اطلعت على تقرير ذكرته بعض الصحف عن 320 حالة اختراق إلكتروني عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم، بزيادة قدرها نحو 25 في المئة مقارنة بالمدة ذاتها من العام الماضي.. أكثر من 183 مليون حساب وبيانات لعملاء ما بين معلومات شخصية، أو مالية تعرضت إما للسرقة أو لفقد تقرير.

وحين ينشط قراصنة الإنترنت في شن هجمات واسعة النطاق ضد شركات خدمات، واقتصاد وتسوق، وكذلك حسابات وهويات المستهلكين الشخصية على الإنترنت فتكون السعودية من أكثر الاختراقات.. يكون الأمر لافتا، وملحوظا بشدة.

كما ذكر أحد المهتمين أن "الهاكرز العالميين استطاعوا الوصول إلى بعض البرامج الإلكترونية الخاصة بهم، والتي تمكنهم من السطو الإلكتروني على أجهزة الحاسب الآلي لأي شركات أو وزارات في دولة ما ومن غير علمهم، من أي مكان في العالم، عبر شبكة الإنترنت"، مشيراً إلى أن "هؤلاء نجحوا بالفعل في التغلب على بعض البرامج العالمية المشهورة والمعروفة في مواجهة الفيروسات والاختراقات الإلكترونية.. وأن برامج مكافحة الاختراق العالمية باتت هدفاً لدى الهاكرز، لإيجاد ثغرات فيها، لذا يفترض أن تكون لدى الشركات الاقتصادية في المملكة برامج بديلة مساعدة".

حين نتأمل ما سبق فيما يخص التهكير نجد أن محاولات الاختراق لحدودنا الإلكترونية أشد من حدودنا البرية وغيرها.. وهذه المحاولات تتخذ مسارات مختلفة؛ فهناك ضرب لجهات تمثل الاقتصاد، والمال، والتعليم، والسياسة، ويركز على المواقع الإلكترونية لكل ما يتعلق بذلك.. وهناك مسار يتجه لبث مضامين ومحتوى متنوع يسعى إلى ضرب اللحمة الوطنية، وأصول ومفاهيم الدين، وقيم وعادات المجتمع الفاضلة، وإثارة قضايا جدلية، وبثّ روح الخلاف والمناكفات، والاستفزاز الاجتماعي، وتغذية التعنصر والتعصب.. وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا "X" وشبيهه ومضامينه وأدواته السهلة للاستخدام.

من المؤكد أن ذلك لا يغيب عن جهات الأمن التي ترصد وتراقب ذلك كمساحة أمنية نشطة وفوضوية.. ولا شك أن جهات الأمن في حالة الفعل قبل أن تكون في حالة رد الفعل لأن تلك الحدود ساخنة جدا لا تسمح لأحد بأن يغفل ولو لثوانٍ.. فالسرعة هنا هي سلاح، والتقنية صنعت آفتها بنفسها وهي التقنية.

ولله الحمد فإن وجود جهة متقدمة تكنولوجيا ذات العلاقة بالأمن السيبراني بالذات مؤكد أنها تستوعب وتدفع باتجاه العمل الإلكتروني الوقائي عبر دراسة ورصد وبحث كافة البرامج، والتصميمات، والأفكار، والاختراعات للمواطنين الهواة، والمهندسين والمتخصصين في أنظمة الحاسب الآلي الذين يحتاجون الدعم والمؤازرة.. وعبر إقامة وتنظيم تجمعات الهاكثون ومثلها تساعد الذين بإمكانهم إيجاد برامج تواجه عمليات الاختراق، والسطو الإلكتروني، ووضع الخطط البديلة للاختراقات المحتملة دليل واضخ على حجم الجيش والجهود الإلكترونية والسيبرانية الساهرة.. ولا شك أن من المهم تبني الأفكار الرائد المتجددة في هذا الموضوع هو مطلب وضرورة فمن يصنع الخطر لن يمنحنا وسيلة الدفاع كما نريد؛ بل علينا صنعها بطاقاتنا وعقولنا.

ويبقى القول: هناك جهود كبيرة تقوم بها كثير من الجهات حول توعية الهدف "المواطن" عبر وضع برامج وخطط توعوية ووقائية تعينه على تلقي ووعي كل الرسائل السلبية بفهم تواصلي، وإعلامي، وفكري، وإدراك نفسي يمنعه أن يكون صيدا سهلا وثمينا لمحاولي اختراق حدودنا الإلكترونية وشراذم النصب والاحتيال.. والمهم أن يكون هناك تفاعل سريع وساخن مع مثل هذه المواقف من قبل الجهات ذات العلاقة، والأهم أيضا هو يقظة المواطن والانتباه والحذر من كل ما يؤذيه أو يطوله من محاولات تهكير واحتيال، فالأمر برمته هو مسؤوليتنا.