إحدى الدول الشقيقة والمشهورة بأعمالها الدرامية الفنية، والتي صبغت في كثير من أعمالها بالحزن وقوة الشر، التفكك الأسري وصراعات الأخوة والأهل، سألت يوما أحد المهتمين بهذا الشأن من هذه الدولة الشقيقة، لماذا أعمالكم الدرامية غالبيتها بمثل هذا النوع وتقدم هذه النماذج، فأجابني بكل شفافية: لأنها تعبر عن جزء مما يحدث في الواقع داخل مجتمعنا، ولنا في الأعمال المصرية خير شاهد، فهي تعبر عن كثير من واقع المجتمع المصري، ولهذا فإن أي عمل فني درامي، لا بد أن يكون نابعا من واقع المجتمع نفسه الذي يعيش فيه أبطال العمل الدرامي، ولهذا فحين شاهدت بعضا من حلقات مسلسل طراد السعودي، وتلك الحبكة الروائية عن مجموعة من الشباب السعوديين الذين يشكلون عصابة لأعمال السرقة.

المسلسل "أكشن"، وبغض النظر عن مستوى العمل فنيا، لكن الفكرة التي قدمها المسلسل لا تمت لواقعنا بأي صلة، ومازلنا نعيش وطأة العمل الفني الذي تحدث عن عامل وافد استغله وكيله وفقا للرواية، ولكن هذه المرة فإن العمل سعودي بحت، هل فعلا لدينا عصابات في السعودية؟ هل فكرة محاكاة مجتمعات غربية أو آسيوية أو حتى بعضا من عربية، لديها مثل هكذا النوع من واقع المجتمع فيها، هل الفكرة أن نقدم عملا فنيا قويا ويصرف عليه، وهو يقدم صورة سيئة كواقع غير حقيقي، وبنفس الوقت يقدم أفكارا غريبة مرفوضة لجيلنا الناشئ من الشباب السعودي؟!

الإعلام دائما هو مرآة تقدم ونمو كل مجتمع، هو أيضا وسيلة قوية لتغير بعضا من الأمور السيئة ومعالجة بعض من المشاكل، بل أحيانا الإعلام هو الوسيلة الأقوى لإصلاح انحرافات فكرية أو قيم مجتمعية غير سوية، والفن رسالة، لا بد أن تحمل الرسالة غاية ويكون لها أهداف، وهكذا عمل فني يبث على شاشاتنا السعودية، أمر غير محبب، خاصة أن لدينا من البدائل سواء قوة الطرح أو غاية الإصلاح، لدينا بعض من عادات تحتاج إلى تغيير وتطوير وتحديث، لدينا مفاهيم نحتاج أن نزرعها في عقول ووجدان شباب المستقبل، ثقافة العمل، رفض البطالة، محاربة ما تبقى من الفساد، غرس أهمية روح الانتماء والولاء، لدينا ملايين القصص التي تحتاج إلى إخراجها إلى النور، بأعمال درامية.

عانينا فترة من هيمنة الأعمال الكوميدية، التي وإن لامست واقعا في حياتنا، ولكنها كانت تهدف إلى الإضحاك حتى لو على حساب الصورة العامة للمجتمع السعودي، نحتاج إلى أعمال فنية تقدم الصورة المشرقة المتطورة للمجتمع السعودي، مدى تأثير رؤية المملكة 2030 على حياتنا ومستقبلنا وطموحاتنا وأحلامنا، لدينا روايات وأحداث تاريخية منبثقة من واقع تاريخ تأسيس المملكة، لماذا ننتظر أن يقوم مغرضون حاقدون لعمل أفلام عن تاريخنا السعودي البحت، تزييف، كذب، إساءة، لماذا ونحن الذين لا بد أن نقدم هذا التاريخ كما حدث فعلا، قوتنا المادية وخبراتنا الفنية، وشبابنا في العمل الفني، نستطيع أن نقدم ما نريد، وما يخدم مسيرتنا السعودية.

أعيد وأكرر أنني لا أقيم العمل فنيا، ولا أقيم مستوى العاملين فيه، ممثلين أو إخراجا أو إنتاجا، ولكني أنتقد الرسالة التي يحملها المسلسل نفسه، بل وأنتقد أن هناك صفحات كثيرة جدا في تاريخنا السعودي يمكن أن تكون أعمالا فنية درامية قوية، تخاطب الداخل، وتقدمنا للعالم بصورة نستحقها من العمل والرقي والقيم الأخلاقية، لا نحتاج إلى أعمال فنية لغايات ربحية مطلقة، بل نحتاج اليوم إلى أعمال تسطر وتؤرخ تاريخنا.. عبدالعزيز وتوحيد المملكة، سعود وكيف بدأت تتشكل الدولة، فيصل ومواقفه الوطنية القومية الإسلامية وصراعات المنطقة، خالد حين أخذ زمام الأمور في وقت عصيب، فهد الدولة منذ حرب إيران - العراق وحتى احتلال الكويت، عبدالله وكيف أنقذ البحرين وأدار واقع العرب في ربيعهم المزعوم، لدينا سيرة سعود الفيصل بكل ما فيها من تشويق -رحمهم الله جميعها-، لدينا سلمان الحزم والعزم، ولدينا محمد المستقبل والرؤية، لدينا رجالات وجنود وقادة وسياسيون ولاعبون وفنانون، لدينا الكثير، فهل من مستجيب؟.