كتاب (الظل المضيء) يتحدث عن شخصية ذات فكر عميق وعلم غزير في علوم مختلفة، له قصة ومسيرة في التربية والتعليم والثقافة والعلوم الاجتماعية والتاريخ والسياسة وغيرها، وكل مجال منها يحتاج إلى كتاب مستقل.. والإعجاب بالأستاذ عبدالرحمن البطحي والثناء عليه لم يكن بتأثير عاطفي، ولم يأتِ من أهالي عنيزة ومدن المملكة الأخرى فقط وإنما جاء أيضًا من خارج الحدود..

مبادرة وفاء جميلة من جمعية واحة الوفاء لمساندة كبار السن في عنيزة التي يرأس مجلس إدارتها المهندس عبدالرحمن بن علي القرعاوي، تمثلت المبادرة في إصدار كتاب عن الأستاذ عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي -رحمه الله- عن طريق مركز مطلة الثقافي الذي أنشأته الجمعية.

الكتاب بعنوان (الظل المضيء) من إصدارات مركز العالم للتوثيق، إشراف البروفيسور محمد الطريقي. التمهيد يحمل عنوان (لماذا هذا الكتاب) ويجيب عن السؤال د. إبراهيم بن عبدالرحمن التركي قائلا: "إن محبي أبي إبراهيم الكثر حرصوا على تأليف كتاب عنه، وإنشاء مركز باسمه، وتنادوا إلى ذلك مرارا، واجتمعوا مرارا، وتعثر المشروع مرارا، وفي آخر مساعيهم جرى الاتفاق على أن يصدر الكتاب بحلول عشرة أعوام على رحيله، أي عام 1437هـ ولم يتهيأ ذلك، غير أن محبي أستاذنا البطحي لم ييأسوا، وجاءت مبادرة واحة الوفاء لإنشاء مركز ثقافي باسم مركز مطلة الثقافي، فرصة لتستهل أنشطتها بهذا الكتاب الذي تصدر طبعته الأولى مع إحساسنا أنه لن يستوفي طموحاتنا، فلتكن الطبعة الأولى مقدمة لدراسات وأبحاث قادمة تتناول قيمة الشفاهية وقامات الشفاهين، والبطحي مثال تتعدد معه الأمثلة لتأريخ زاهٍ إذا لم نتداركه فمصيره النسيان".

الكتاب يحمل صفة الوفاء لمن يستحق الوفاء، وهو من قبل ومن بعد كتاب عن شخصية ثقافية استثنائية يتحدث في كل العلوم، إنه كتاب ثقافي وعلمي وتربوي واجتماعي سطره مرتادو مجلسه وطلابه والمعجبون بشخصيته وثقافته من فئات مختلفة من داخل المملكة وخارجها.

تضمن هذا الكتاب مقالات كتبها أصحابها من واقع معرفة مباشرة مكنتهم من إبداء الرأي بشخصيته وثقافته الغزيرة، مقالات وآراء تحمل صفة الوفاء والفهم العميق وهي شاهد على مآثره الثقافية المتنوعة وفكره المستقل. قراءة هذا الكتاب تلقي الضوء -الذي كان يزهد فيه الأستاذ البطحي- على مسيرته وفكره وآرائه في عالم التربية والتعليم، وعالم التاريخ والثقافة فهو المعلم والمربي ومدير المدرسة والأديب والمثقف والمؤرخ والمفكر، ومتعدد الاهتمامات. وهو الطالب الذي درس في المدرسة العزيزية حتى شهادة الكفاءة ثم عاد إليها معلما ومديرا ويتضمن الكتاب آراء تلاميذه عن أساليبه التربوية والإدارية في تلك المرحلة.

الأستاذ عبدالرحمن البطحي -رحمه الله- قامة من القامات الثقافية في المملكة رغم أنه توقف في مسيرته الدراسية عند شهادة الكفاءة المتوسطة، غادر المقاعد المدرسية والتحق بعالم القراءة والبحث، ولهذا يطلق عليه الأستاذ عثمان الخويطر صفة البروفيسور الذي لم يدخل الجامعة. هذا وصف أو لقب من ألقاب كثيرة أطلقها على الأستاذ البطحي تلاميذه والذين تعرفوا عليه عن قرب من خلال مجلسه الثقافي (مطلة) الذي كان بمثابة مدرسة لإنتاج المثقفين فقد كان هذا المجلس يستقبل المتعطشين للمعرفة من كافة فئات المجتمع من داخل المملكة وخارجها.

أتوقف هنا عند لقب سيد المجالس الذي أطلقه الدكتور عبدالله الغذامي على الأستاذ البطحي، وهو يقدم وصفا دقيقا لهذا المجلس وشهادة يعتد بها، يقول د. الغذامي: "لو قال لك قائل إن هذا المجلس يذكره بمجلس سقراط مع تلاميذه، ولو قال قائل آخر إنه مجلس يشبه مجلس الأصمعي، ولو قال ثالث إنه مجلس يشبه مجالس مضارب البادية والسمر، ولو قال قائل إنه مثل مجالس العقاد، ولو قال آخرون إنه جامعة مفتوحة، لو قال هؤلاء كل هذه التشبيهات لصحت كلها ولكل من هذه التشبيهات وجه وصواب".. ص 211.

الإعجاب بالأستاذ البطحي والثناء عليه لم يكن بتأثير عاطفي، فهذا الإعجاب لم يأتِ من أهالي عنيزة ومدن المملكة الأخرى فقط وإنما جاء أيضًا من خارج الحدود، خذ مثلا: قال عنه عالم الاجتماع الأمريكي دونالد كول، إنه علامة لا تنساها ذاكرته، أما الأستاذ جيمس بد الذي كان يدرس اللغة الإنجليزية في عنيزة فكان يقول: إن زيارة عنيزة لا تكتمل إلا بزيارة البطحي.

مساحة المقال لا تكفي للحديث عن كتاب (الظل المضيء) لأنه عن شخصية ذات فكر عميق وعلم غزير في علوم مختلفة، له قصة ومسيرة في التربية والتعليم، والثقافة والعلوم الاجتماعية والتاريخ والسياسة وغيرها وكل مجال منها يحتاج إلى كتاب مستقل.. تحية شكر وتقدير لجمعية واحة الوفاء بعنيزة، وللفريق الاستشاري لمشروع الكتاب.