قبل عقد من الزمان، لم يكن أحد ليتخيل أن المملكة العربية السعودية ستتحول إلى واحدة من أكبر الوجهات الاستثمارية في العالم، وأن مشروعاتها العملاقة ستجذب أنظار المستثمرين من مختلف أنحاء العالم. اليوم، تُرسم ملامح المستقبل بأيدي صناع القرار والمستثمرين، في مشهد استثنائي يجمع بين الطموح والرؤية الواضحة، حيث تخطو المملكة خطوات واثقة نحو تنفيذ استثمارات ضخمة في البنية التحتية تتجاوز قيمتها تريليون دولار خلال العقد المقبل، بهدف تعزيز الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات الأجنبية، والاستعداد لاستضافة أحداث عالمية كبرى.

في 13 فبراير 2025، أكد وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم خلال منتدى "صندوق الاستثمارات العامة والقطاع الخاص"، أن المملكة تحتاج إلى استثمارات بقيمة تريليون دولار في البنية التحتية خلال السنوات السبع إلى العشر المقبلة، مشيرًا إلى أن هذه الاستثمارات لن تقتصر فقط على بناء الطرق والموانئ والمرافق، بل ستشمل تطوير القطاعات اللوجستية والتقنية والرقمية، مما يعزز من تنافسية الاقتصاد السعودي على المستوى العالمي.

وأضاف أن "المملكة لا تستطيع تمويل مشروعات البنية التحتية وحدها، ولذلك، فإن التعاون مع القطاع الخاص هو أمر حتمي لضمان تحقيق هذه المستهدفات".

هذه التصريحات تعكس رؤية متكاملة تهدف إلى خلق بيئة استثمارية متقدمة، حيث تعمل الحكومة على توفير فرص استثمارية جذابة للقطاع الخاص، سواء المحلي أو الدولي. وهو ما أكده وزير الاستثمار، خالد الفالح، عندما أشار إلى أن السعودية ستطرح فرصًا استثمارية بقيمة 1.8 تريليون دولار للشركات العالمية، معربًا عن رغبته في أن تكون الشركات الأجنبية جزءًا من هذا التحول الضخم، وفي هذا الإطار، يمثل صندوق الاستثمارات العامة (PIF) محورًا رئيسًا في تنفيذ هذه المشروعات الضخمة، حيث أعلن محافظ الصندوق، ياسر الرميان، أن منصة القطاع الخاص التابعة للصندوق تقدم فرصًا استثمارية بقيمة 40 مليار ريال، بهدف تحفيز الاستثمارات في كامل سلسلة القيمة، كما أشار إلى أن إجمالي الإنفاق على المحتوى المحلي عبر الصندوق وشركاته بلغ 400 مليار ريال بين عامي 2020 و2023، مما رفع نسبة المحتوى المحلي من 47 % إلى 53 %.

هذه الاستثمارات ليست مجرد مشروعات تطويرية، بل هي الأساس الذي سيحمل المملكة نحو مستقبل أكثر ازدهارًا، خاصة مع استعدادها لاستضافة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029 في نيوم، وإكسبو 2030 في الرياض، وكأس العالم 2034. تتطلب هذه الفعاليات تطويرًا شاملاً للبنية التحتية، من شبكات النقل والمواصلات إلى بناء منشآت رياضية حديثة، فضلًا عن توسعة القطاع الفندقي لاستيعاب ملايين الزوار القادمين من مختلف أنحاء العالم، وقد أكد الفالح أن استضافة هذه الأحداث الكبرى لن تعزز الاقتصاد الوطني فحسب، بل ستجعل المملكة وجهة استثمارية رئيسة للقطاع الخاص العالمي، مما يخلق فرصًا غير مسبوقة للنمو والازدهار.

أما فيما يتعلق بمشروع "ذا لاين"، أحد أهم المشروعات الحضرية المستقبلية في العالم، فقد أوضح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن تكلفة بنيته التحتية ستتراوح بين 100 و200 مليار دولار، مشيرًا إلى أن التمويل سيأتي من دعم الحكومة، وصندوق الاستثمارات العامة، والمستثمرين المحليين والدوليين، مما يعكس نهجًا متوازنًا في تمويل المشروعات الكبرى دون الاعتماد المفرط على التمويل الحكومي المباشر.

التنمية الاقتصادية التي تشهدها السعودية ليست مجرد طفرة مؤقتة، بل هي تحول جذري في النموذج الاقتصادي للبلاد، فمع كل طريق جديد، وكل مشروع لوجستي، وكل مدينة ذكية تُبنى، تتوسع الفرص أمام المستثمرين الدوليين، وترتفع قدرة الاقتصاد السعودي على المنافسة في الأسواق العالمية، المملكة اليوم لا تسعى فقط إلى تطوير بنيتها التحتية، بل تعمل على بناء إرث اقتصادي يمتد لعقود مقبلة، وكما قال محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان: "مشروعات البنية التحتية في المملكة ليست فقط لتلبية احتياجات اليوم، بل هي استثمار في المستقبل، لضمان أن تكون السعودية في طليعة الدول الجاذبة للاستثمارات العالمية".

وبينما تستعد المملكة لاستقبال العالم، فإنها لا تبني فقط مدنًا وملاعب، بل تصنع إرثًا اقتصاديًا سيبقى للأجيال المقبلة. هذه ليست مجرد استثمارات، بل هي حجر الأساس لمستقبل أكثر إشراقًا، حيث تصبح السعودية مركزًا عالميًا للتجارة والسياحة والاستثمار، وكما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: "نحن لا نحلم، بل نصنع المستقبل".