إنَّ ذكرى يوم التأسيس (فبراير 1727م) تهدف في أسمى معانيها إلى ترسيخ مفهوم وحدة المجتمع والصَّف والكلمة التي ساهمت جيلاً بعد جيل في تعزيز حالة الأمن والاستقرار والازدهار في جميع مناطق وأقاليم المملكة العربية السعودية، ومكنتها من الارتقاء لِمصاف دول العالم المُتقدم والصِناعي..
يُؤشِر يوم 30 من جمادى الآخرة 1139هـ، الموافق لـ22 من فبراير 1727م، لإشراقةِ أول دولة عربية أصيلة في قلب الجزيرة العربية بعد قُرابة أحد عشر قرناً من الفراغ السياسي والاقتصادي والأمني، والتشتت الاجتماعي، الناتج عن انتقال دولة الخلافة الراشدة من الجزيرة العربية –وعاصمتها المدينة المنورة– بنهاية عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان –رضي الله عنه– في السنة الـ35 للهجرة، الموافق للعام 656 للميلاد. نعم، فبعد فراغ سياسي وأمني عانت منه الجزيرة العربية وشعبها الكريم لمدة زمنية تجازوت الألف والخمسين عاماً، نهضَ، بعزمٍ وقوةٍ وصلابةٍ، الإمام محمد بن سعود –رحمه الله– ليُؤسس الدولة السعودية الأولى انطلاقاً من حاضرة الدرعية التي كانت تحت حكم آبائه وأجداده الكِرام على امتداد ثلاثمئة عام سابقة. فالدرعية، التي أسسها آباء وأجداد الإمام محمد بن سعود ابتداءً من عهد الأمير مانع بن ربيعة المريدي في العام 850 للهجرة، الموافق 1446 للميلاد، أصبحت بعد تأسيس الدولة السعودية الأولى في 22 فبراير 1727م العاصمة التي أشرقت من ربوعها أول وحدة سياسية وشعبية عمّت ببركاتها أرجاء الجزيرة العربية، وانطلقت من مركزها أول نهضة اقتصادية وتنموية عمَّت بخيراتها كافة مناطق الجزيرة العربية، وتأسست في قصور حكمها اللبِنات الأولى لدولة المؤسسات القائمة على النّظام والعدل في جميع المجالات وعلى كل المستويات. ومن تلك البدايات الصَّلبة للدولة السعودية الأولى، ترسَّخت في أرجاء الجزيرة العربية، وفي عقول أبنائها وشعبها بجميع المناطق، المعاني الحقيقية لمفهوم الدولة وما تعنية من نظام سياسي، ووحدة اجتماعية وشعبية، وخطط اقتصادية وتنموية، ونظام صارم يحفظ الأمن الداخلي، وقوات مسلحة تدافع عن حدود الوطن وتردع الأعداء من التعدي على أمنها وسيادتها.
وإذا كانت الدولة السعودية الأولى رسّخت مفهوم الدولة في أرجاء الجزيرة العربية، فإنها رسَّخت كذلك مفهوم الوحدة الاجتماعية بين جميع أبناء الجزيرة العربية في مختلف المناطق التي تحكمها السلطة السياسية في الدولة. نعم، لقد تمكنت الدولة السعودية الأولى من تأسيس وحدة اجتماعية قوية بين جميع أبناء الجزيرة العربية على أسس صلبة تكون فيها الدولة ضامنة لحقوق المواطنين، وقائمة على تطبيق النظام والعدل والمساواة بين جميع المواطنين، وساعية لتحقيق التنمية الاقتصادية حتى يتمكن جميع المواطنين من العيش بكرامة ورخاء في جميع المناطق والاقاليم التي بسطت عليها الدولة نفوذها السياسي والأمني. نعم، لقد كان الإمام محمد بن سعود يؤمن إيماناً يقينياً بأهمية بناء دولة قوية تحفظ لأبناء الجزيرة العربية أمنهم وعزتهم وكرامتهم، وتعمل على خدمة شعبها وأبنائها حتى يتمكنوا من تحقيق العيش والحياة الكريمة، فعمِل على تأسيس نظام سياسي صلب يستطيع المحافظة على بقاء الدولة واستمراريتها، ونظام اجتماعي قوي أساسه وحدة الصف والكلمة حتى يكون قادراً على تعزيز الأمن الداخلي ومواجهة المخاطر الخارجية، ونظام اقتصادي يمكن المجتمع والدولة من التخطيط السليم حتى تستطيع تدريجياً من الاعتماد على ذاتها. نعم، إن الإيمان العظيم بالأهداف السّامية للدولة مكنت الإمام محمد بن سعود من تأسيس دولة قوية استطاعت بسط نفوذها السياسي على معظم أرجاء الجزيرة العربية حتى تجاوزتها لمناطق جغرافية خارجها، وتمكن من بناء مجتمع قوي ومتماسك أساسه وحدة الصف والكلمة بين جميع أبناء الجزيرة العربية حتى أصبحت الدولة في عقولهم وقلوبهم هدفاً سامياً يجب المحافظة عليها وتعزيز مكانتها بين الأمم.
نعم، إن الحديث عن يوم التأسيس يتجاوز في رمزيته الإشارة الظاهرة للتاريخ، لأنه لن يكون لذلك معنى إن لم يتجاوزه لترسيخ المفاهيم الوطنية السّامية والجليلة في عقول وقلوب أبناء الوطن، ويتجاوز في رمزيته مظاهر الاحتفاء، لأنها لا معنى لها إن لم تؤسس لقيم ومبادئ وطنية صلبة يعمل عليها ويؤمن بها أبناء المجتمع الواحد والوطن العزيز، وهذه هي الأهداف السامية والمبتغاة من الحديث عن يوم التأسيس. نعم، إن الحديث عن يوم التأسيس يتضمن أهدافاً سامية، ويرمز لغايات جليلة أشار لها الأمر الملكي الكريم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظه الله– وبثته (واس) في 27 يناير 2022م ومما جاء فيه الآتي: "واعتزازاً بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، وبداية تأسيسه في منتصف عام 1139هـ (1727م) للدولة السعودية الأولى التي استمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية ودستورها القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أرسته من الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار، وصمودها أمام محاولات القضاء عليها، إذ لم يمضِ سوى سبع سنوات على انتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309هـ (1891م)؛ وبعد انتهائها بعشر سنوات، قيض الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود عام 1319هـ (1902م) ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم المملكة العربية السعودية، وسار أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها. وبما أن منتصف عام 1139هـ الموافق لشهر فبراير من عام 1727م هو بدء عهد الإمام محمد بن سعود وتأسيسه للدولة السعودية الأولى. أمرنا بما هو آت: أولاً: يكون يوم (22 فبراير) من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس)، ويصبح إجازة رسمية.".
وفي الختام من الأهمية القول: إنَّ ذكرى يوم التأسيس (فبراير 1727م) تهدف في أسمى معانيها إلى ترسيخ مفهوم وحدة المجتمع والصَّف والكلمة التي ساهمت جيلاً بعد جيل في تعزيز حالة الأمن والاستقرار والازدهار في جميع مناطق وأقاليم المملكة العربية السعودية، ومكنتها من الارتقاء لِمصاف دول العالم المُتقدم والصِناعي. نعم، إن النهضة المحلية العظيمة التي حققتها المملكة العربية السعودية، والمكانة الدولية المتقدمة التي وصلت لها، ليست إلا نتاج ثلاثمئة عام من الجهود الجبَّارة التي بذلها أبناؤها الكِرام ابتداءً من الأئمة والملوك، وصولاً لأبنائها وشعبها جيلاً بعد جيل، الذين تمكنوا من تحويل تشتتها وفرقتها إلى وحدة وطنية شامخة وصلبة، وعملوا على عِمارة صحرائها حتى أصبحت مُدناً عالمية، وبنوا اقتصادها حتى أصبح واحداً من أعظم اقتصادات المجتمع الدولي. إن استذكار يوم التأسيس يمثل لأبناء المملكة العربية السعودية رحلة للتعرف على كيف كانت الدولة والمجتمع قبل ثلاثمئة عام، حيث التشتت والفرقة وغياب التنمية، حتى أصبحت في وقتنا الراهن، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود –حفظهما الله–، واحدة من أعظم دول العالم في معظم المجالات.