في عوالم التجارة والاقتصاد، وفروعهما من تصنيع وتوزيع ومراكز لوجستية، إلى مجالات الصحة والتعليم والثقافة والفنون والتقنيات، إضافة إلى منظومة الخدمات، جميعها البطل فيها الموظف بدرجاته، والعامل بمؤهلاته، والدرجات الوظيفية المختلفة، البطل فيها هو الإنسان، آلة العصر وكل العصور، وعنصر التقدم والنجاح، والعنصر الفاعل في الحفاظ على مقدرات الأوطان في الأمن الداخلي، أو الجيوش النظامية.

بدأ العالم يلتفت لإنتاجية الإنسان ولماذا تتأثر سلباً مع تزايد الخبرات والعلوم، والبرامج التدريبية؟ وكانت الإجابة، الاستنزاف واستهلاك الطاقات، وعدم وجود الحوافز، أو المكافآت أو الأجور العادلة، وكذلك الإجازات، وتزايد الأعباء الاجتماعية والاقتصادية والصحية، جميعها عناصر تؤثر على الإنتاجية، ولكن الأكثر قلقاً -من منظور عالمي- حالة الملل، والركون إلى الراحة والخمول.

ما سبق يطلق عليه علماء التنمية البشرية وعلماء الاجتماع، «الاحتراق الوظيفي»، التي باتت تهدد العمليات الإنتاجية، وتؤثر على الفكر والإبداع والابتكار، فكل منشأة أو صاحب عمل يريد أقصى طاقة من الموظفين والعاملين لديه، وكذلك الأجهزة الحكومية، دون النظر للتفكير قليلاً في احتياجات هذا الإنسان نفسياً وعاطفياً واجتماعياً، وإذا تحدثت في هذا الأمر، يكون الرد: لسنا مؤسسة اجتماعية، وتلك طامة كبرى، وخلل في الفكر الإداري المؤسسي.

المملكة كانت رائدة وسابقة بمراحل كبيرة لدول كبرى، عندما رأت تعديل ساعات العمل، وأيام الدوام الرسمي، والفكر في الحصول على الإجازات والإصرار عليها، حتى تزيد الإنتاجية؛ نتيجة حصول الموظف على ما يستحق من حقوق ومكافآت وإجازات، ولكن يظل الاحتراق الوظيفي في المؤسسات الخاصة، وكانت الإحصاءات العالمية أكدت أن أكثر من يتعرضوا للاحتراق الوظيفي، هم من يعملون في القطاع الصحي.

ويعرّف «الاحتراق أو الإنهاك الوظيفي» بأنه نوع من التوتر المرتبط بالعمل، لا يمكن تشخيصه بالفحص الطبي، وينتج عنه حالة من الإرهاق البدني أو النفسي، تتضمن إحساسا بتراجع الإنتاجية وفقدان الهوية الشخصية، أما منظمة الصحة العالمية، فعَرّفته بأنه «متلازمة ناتجة عن إجهاد مُزمن في مكان العمل، تتميز بثلاثة أبعاد هي، تنامي الشعور باستنزاف الطاقة، وتزايد المشاعر السلبية تجاه العمل، وانخفاض القدرات المهنية»، كما يُعرف بأنه حالة من الإرهاق الجسدي والعقلي الناتج عن الضغط المستمر، ويتجلى في مشاعر الإحباط وفقدان الدافع، وقد تتسبب هذه الحالة في تدهور الصحة النفسية والجسدية للعاملين، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة معدلات الاستقالات.

وتنتشر هذه الظاهرة في أنحاء العالم، حتى إن حوالي 22 % من العاملين في المملكة المتحدة وحدها أكثر من 7 ملايين موظف يعانون منه، في عام 2020، وفي عام 2021، وجدت جمعية علم النفس الأميركية أن 26 % من الموظفين يعانون من نقص الحافز، و32 % من الإرهاق العاطفي، و44 % من الإرهاق الجسدي.

ومن أعراض الاحتراق الوظيفي قلة النشاط، وعدم الإنجاز، وعدم الرغبة في الذهاب للعمل، وعدم السعادة فيه، وكره العمل، والشعور بالراحة عند الانتهاء منه. ومن الأعراض أيضاً الحزن أو الانفعال الشديد، وقلة الإنتاجية، وعدم الرغبة في العمل، والخروج مبكراً من الدوام.

وعن أهم العوامل التي تؤدي إلى الاحتراق الوظيفي، أن عدم وجود حوافز مادية أو معنوية، وعدم التشجيع والتقدير بالكلمات التي تعزز الثقة بالنفس، ووجود مكافآت وهدايا مادية، وتقديمها للموظف، مما يقلل الشغف، ويفقد الموظف ولاءه للمؤسسة التي يعمل فيها.