الكتابة عن السفر والترحال، كتابة باذخة وتطواف ملهم، هي أشبه بتدوين سفر من الألق وتحبير عمر من الشغف، السفر بعمقه الذي يضم كل الألوان والأصناف وبفلسفته التي تحمل كل المعاني والمستويات، هو تنقل مذهل بين عوالم من الثقافات والأفكار والعادات واللغات والفلكلورات والحضارات، فتلك الأسفار العجيبة التي لا يمكن قراءتها أو سماعها أو مشاهدتها إلا بقطع الفيافي والتحليق في عنان السماء واعتلاء مجن الريح، السفر في الكتب والإذاعة والتلفزيون والآن تطبيقات وبرامج الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي يجعل كل ذلك متاحاً وممكناً.

السفر والترحال بمختلف أشكاله وأهدافه، كان وما زال ضرورة وحاجة ولكنه الآن تحوّل إلى قيم جديدة وعناوين مختلفة، فهو يُدرّس في المعاهد والجامعات، وأصبح من الموضوعات والتخصصات التي لها أدبياتها وأبجدياتها وآلياتها، لم يعد السفر مجرد تذكرة وحقيبة ووجهة وكمية من المال، بل هو الآن حزمة كبيرة جداً من التفاصيل الكثيرة جداً، طائرات وقطارات وباصات وسفن وفنادق ومطاعم ومتاجر وأسواق وهدايا وسياحة وثقافة وإلهام وآثار وغوص وطيران والكثير الكثير من التفاصيل التي يزدان بها قاموس السفر والترحال.

وللسفر فوائد سبع أو تسع، بل هي أكثر وأكبر من ذلك بكثير، ولعل من أعظم الفوائد والمنافع والإيجابيات التي يمنحها السفر لعشاق التنقل والترحال، هو اكتساب العديد من الثقافات والعادات والقدرات والطاقات، كالاعتماد على النفس، وزيادة منسوب الفضول، وتقدير الأمور والصبر والحكمة، والاقتصاد، والتنظيم، وغيرها من المكتسبات الشخصية التي يحصل عليها المسافر، أما المكتسبات العامة التي تتوزع أرباحها عادة على الكثير من المجالات والقطاعات والمستفيدين، فهي الفنادق والمطاعم والأسواق ووسائل المواصلات ووسائط الإعلام وكل مكونات وتعبيرات المجتمع، أو ما يُعبر عنه بنمو ودوران حركة الاقتصاد المجتمعي، إضافة إلى ضخ أموال كبيرة في ميزانية البلد الذي يتمتع بقوة جذب وعشق للمسافرين والمرتحلين، السفر، حصالة ولكن بعدة فتحات، لا مجرد فتحة واحدة، يتصارع عليها الكل بهدف تفريغها من آخر قطعة نقود.

وفي ختام الرحلة، الكتابة عن السفر، تُحلّق أسراب الحروف وتسير قوافل المعاني لوصف السفر والترحال، وهو الذي كان مجرد ملاذ للوصول إلى الكهوف والمغارات والجبال، ليصبح طريقاً لطلب العلم والمعرفة والتخصص، إلى أن تحول لظاهرة مستقلة بذاتها. لقد أصبح السفر الآن، حاجة إنسانية ضرورية، بل ملحة، تماماً كالحاجات والرغبات والمتطلبات الاعتيادية كالأكل والشرب والتعلم وغيرها من الحاجات والطموحات البشرية.