أعتذر بسبب أنني قد غيرت في معنى المقولة التي كثيرا ما رددناها عن قصة الشباب السعوديين في ألمانيا الذين طلبوا طعاما أكثر من حاجتهم فكان أن تم عقابهم بمخالفة مالية.. وكانت المقولة التي رددها الشاكي عليهم: «الطعام لكم.. لكن الموارد للجميع».. وهي مقولة حكيمة أغفلناها كثيرا في رمضان من فرط ما ننفقه من أطعمة كثير منها لا نحتاجه ولا غيرنا يحتاجه.

وأقف عند هذه المقولة.. هل علينا أن نتعلم منها فقط رغم قيمتها الإنسانية والاقتصادية؟! رغم أن لدينا ما هو أكثر تأثيرا وتفضيلا منها وهو التوجيه الإلهي العظيم: «كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين».. هنا يقودني الأمر إلى ما قبل أكثر من أربعة عقود كيف كنّا وكيف حالنا الآن خاصة في رمضان.. كان الطعام شيئا ثانويا خلال الشهر الفضيل، لا طوابير فوالين ولا ازدحام معجنات، ولا اختناقا مروريا عند الأسواق، ناهيك عن عربات محملة وتكاد المواد الغذائية تتساقط منها من فرط حجم الحمولة.

حينها كان الاستمتاع برمضان في بلادنا ينطلق من الروحانية والبعد عن كل ما من شأنه أن يجرح شهر الصوم، كنا نعيش رمضان، نتمتع بإفطاره وسحوره، بتراويحه وقيامه، وحتى بمسامراته والتسلية البريئة فيه.. كنّا نفعل ذلك وبعض منّا يدرك ما هو عليه شهر الصوم.. نعم نستمتع بلياليه وجمعة الإفطار والسحور.. ولم نتخلَ عن المسلسلات، لكن ضخامة المأكل والمشرب لم تكن هدفا إلا بعد أن اطلعنا على ثقافات أخرى صنعت من رمضان مطبخا وموقعا للإسراف والتبذير!

الموارد للجميع لكن خلال رمضان هناك حمّى استهلاكية لا تبقي ولا تذر.. تزاحم لا يحدث خلال أوقات أخرى من العام.. وكأنها إشارة إلى أن أزمة بضائع ستحدث أو مجاعة ستأتي!.. هنا نشير إلى أن رمضان خرج من الروحانية إلى الموائد المكتظة بكل شهر.. ولن نستعرض هنا مؤشرات النمط الاستهلاكي للفرد وتأثيره المباشر على مدخراته ومستقبله المالي والصحي، فقد كفانا في هذا الأمر علماء الاقتصاد والمطلعون على الشأن الاجتماعي من خلال الصحف والتلفزيونات ومواقع التواصل.. الزيادة الاستهلاكية -وحسب أولئك الخبراء- بدا أنها تفوق مثيلتها في بلدان العالم، ولذا فلن نخطئ إذا ما قلنا إن ما يحدث هو «حماقة استهلاكية» لا ترتكز على معايير الحاجة والقدرة بل تتجاوزها كثيرا، فلدينا استهلاك يفوق حدود العقل.

«الحمّى الشرائية» جعلت الناس يتسابقون وكأن أزمة غذاء تنتظرهم في ظل ثقافة صنعناها لنجعل لهذا الشهر الكريم خصوصية لا تنتمي إليه ولا تعين عليه، شجعها كثيرا تنمية الإسراف من خلال الإعلانات التي وجدت سبيلها إلينا، لنكون بحاجة ماسة إلى توجيه العادات والأنماط الاستهلاكية سواء التكميلية أو الغذائية، وبما يجعل من سلوكنا الاستهلاكي الفردي أو الجماعي يتسم بالتعقل والاتزان، وحسن التدبر وبحيث تكون مدفوعاتنا حسب ما نحتاجه، ووفق التوجيه الإسلامي الكريم الذي ينبذ الإسراف ويحذر منه.

خلاصة القول بالدعوة إلى أن نترحم على صورة رمضان الجميل الذي أصبح الآن غير موجود إلا ما ندر، وعلى غياب الوعي لدى كثيرين ممن جعلوا رمضان منصة أكل وسهر وشاشة ترفيه.