يفترض أن يكون استنفارنا الحقيقي هو متطلبات رمضان الإيمانية من صوم وصلاة وقراءة قرآن وذكر وصدقة وصلة وجميع أعمال البر والخير.. وينبغي إدراك أن هذا الموسم الإيماني هو موسم ترقٍّ روحي ومراجعة ذاتية؛ تلبس فيه حلة الطاعات، ورداء الرجاء، وإزار الدعاء في هذا الشهر الفضيل..
رمضان وعاء إيماني عظيم يحتوي عبادة الصوم؛ تلك العبادة السرية التي لا يعرف عن حقيقة صومك إلا الله.. الصوم عبادة تبنى على الوعي والحكمة والفهم حيث تهذب العمق الروحي، والإيماني لدى المسلم الصائم..
رمضان شهر مختلف في حدوده الزمانية، وزواياه القيمية، واعتباراته المعنوية..
رمضان مملوء بالتفاصيل الجميلة والأجواء الروحانية الجاذبة التي تتعامل مباشرة مع العاطفة والوجدان..
رمضان ليس محطة عابرة يقف فيها المرء المسلم ليغادرها هكذا وبكل سهولة دون أثر على النفس والسلوك وحتى الفكر.. قيمة رمضان لمن يستشعرها سيجدها هائلة في عقله وعاطفته وإيمانه.. أما من لا يشعر بذلك فهو خفيف ترفعه الأهواء، وتهبط به الغفلة فلا يستقر على طمأنينة، ولا يثبت على فضيلة.. التفاصيل في قلوبنا عن رمضان، وكل الحكايا في عقولنا، وكل المشاهدات في عيوننا.. ولا شك أن الخير عميم حولنا، والناس تنشد الخير، والمجتمع يتفاعل مع روحانيته.. لكن لنبحر باتجاه بعض التفاصيل المختلفة لعلها تجد تغيرًا نافعًا، وتحولًا ناجعًا.
بماذا نحن موعودون في رمضان.. شهر الخير والقرآن والطاعة فهناك من يستغله بلا هوادة، ويجعل منه ملاذًا للربح والمكسب، بماذا يعدنا مجتمعنا، ويعدنا السهر، وتعدنا القنوات، وتعدنا الأسواق، ويعدنا التجار، ويعدنا الواعدون؟ كل سنة هي قضيتنا مع رمضان.. شهر تم تحريكه إلى موسم استنفارات متنوعة منها استنفار تجاري بتقديم عروض التنزيلات والتخفيضات والهدايا وكأنهم لا يعرفون ذلك إلا في رمضان ليسحبوا ويجذبوا أكبر عدد ممكن من الناس فيسوّقوا عليهم ما لم يستطيعوا تسويقه سابقًا، فيقدموا لهم ما قرب انتهاء صلاحيته كعروض وهدايا أو يجعلوها قريبة لمتناولهم لكي لا يدققوا عليها اثناء انشغالهم بإتخام العربة وخذ من تلك الخدع.. استنفار مجتمعي في رفع مستوى الاستهلاك لمواد التموين المهم منها وغير المهم.. ورفع معدلات التسوق إلى معدلات عالية جدا لا يطيقها عقل.. حيث ترى التبضع وشراء (المقاضي) بطريقة مخصصة وكمية مرعبة وكأننا مقدمون على أزمات.. فترى عربات الأسواق تغص بالكراتين والكميات الهائلة من السلع المختلفة.. حتى أصبح لرمضان متلازمة (التقضي المخصوص في زمن مخصوص يعني قبله بيوم أو يومين بكميات غير مخصوصة).. استنفار فني فضائي ومسلسلات وبرامج، متعة تحرق الأوقات.
هذه الاستنفارات الفردية والمجتمعية أخرجت رمضان من كونه موسم وزمن عبادة إلى موسم يتغير فيه السلوك العام اللائق به عند الكثير إلى سلوك احتفالي، وهذا يتجه بالوعي إلى مساحات من التضليل الذاتي الذي يخدع البعض أن السلوك السائد في هذا الشهر هو ما يرونه أمامهم مما جعلهم يفقدون قيمته وحقيقته وجعلهم يدورون في حلقات فيها اختلال مفاهيمي واسع.
علينا أن نتفهم حقيقة مهمة فيها مسؤولية عظيمة تكون في ان واقع رمضان مرتبط بنمط سلوكي خاص بعبادة جليلة وليس بواقع حياتي جديد يجد فيه الشخص مساحة لزيادة خيارات الاستهلاك والتسلية.
كما ان العمق الإيماني والبعد العاطفي المرتبط بعبادة الصوم وملامح رمضان يجعل البعض يستغل ذلك كما نراه كل سنة من زيادة في جمع تبرعات أو إنفاقات، وكذلك كثافة حالة التسول، كل هذه الأمور يتوجب التعامل معها بطريقة حذرة ولابد ان يرى هؤلاء رمضان على حقيقته الكريمة.
العلاقة التي تربط الصائم بربه تحدث حالا من الصلاح الداخلي فتتحقق حالة نوعية من الهدوء المجتمعي متمثلة في وحدة الشعور ليتعاطوا بإحساس الألم الواحد ما لا يجدونه حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة.
ويبقى القول: يفترض أن يكون استنفارنا الحقيقي هو متطلبات رمضان الإيمانية من صوم وصلاة وقراءة قرآن وذكر وصدقة وصلة وجميع أعمال البر والخير.. وينبغي إدراك أن هذا الموسم الإيماني هو موسم ترقٍّ روحي ومراجعة ذاتية تلبس فيه حلة الطاعات، ورداء الرجاء، وإزار الدعاء في هذا الشهر الفضيل.