صدقًا لا أرى في ازدحام هذا الكم الهائل من الدراما التلفزيونية في رمضان إلا امتدادًا تاريخيّا لذلك الحكواتي الذي قدمه لنا التاريخ كأحد المظاهر الرمضانية في كثير من البلدان العربية المستوطنة قبل زمن المرئي، فالصورة التي يقدمها لنا التاريخ قبل ما يقارب مئة عام لذلك الحكواتي الذي يستعين به العامة على قضاء ليل رمضان المرتبط بالسهر كطقسٍ رمضاني في كل العصور والأزمنة، هي ذاتها التي يقدمها لنا الفضاء المرئي عبر قنواته ومنصاته التي تتنافس بشراسة على العرض الأول لأعمالها الدرامية في رمضان، جامعة فيها الحكاية بكل أطرافها التاريخية والواقعية والافتراضية، ومشكّلةً من رمضان موسمًا فنيّا يكاد في مجمله يستحوذ على بقية شهور العام، بل إن كل شهور السنة تنشغل بالعمل له..

والواقع أن شهر رمضان يعد موسمًا ذهبيًا للإنتاج الدرامي في العالم العربي، حيث تتنافس القنوات الفضائية والمنصات الرقمية على عرض عدد كبير من المسلسلات التي تتنوع بين الاجتماعي، والتاريخي، والكوميدي، والإثارة. هذا الانتشار الكثيف للأعمال الدرامية في رمضان ليس محض صدفة، بل هو نتيجة لمجموعة من العوامل الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية التي جعلت من هذا الشهر الفرصة المثلى لعرض الإنتاجات التلفزيونية لعل أهمها يتمثل في ارتفاع نسبة المشاهدة في رمضان إذ يتميز بتغير أنماط الحياة اليومية فيه، حيث يجتمع أفراد العائلة بشكل أكبر حول شاشات التلفاز، خاصة بعد الإفطار، مع قلة الأنشطة الترفيهية في الخارج، ليصبح التلفاز وسيلة التسلية الرئيسة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات المشاهدة بشكل كبير، ما يغري شركات الإنتاج والقنوات الفضائية لاستغلال هذا الوقت لبث أعمالها الجديدة، يحدث هذا مع وجود منافسة شديدة بين القنوات الفضائية حيث يشهد سوق الإعلام العربي سباقاً حاداً بين القنوات الفضائية والمنصات الرقمية لجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين فضلاً عن استثمار كل ذلك في الإعلانات من قبل الشركات التجارية إذ يشهد رمضان دائماً ارتفاعًا في الإنفاق الإعلاني، فالشركات التجارية تسعى إلى الترويج لمنتجاتها خلال هذه الفترة التي يزداد فيها الاستهلاك. ولأن الدراما تحظى بمشاهدة عالية، تكون الإعلانات التي تُبث خلالها أكثر تأثيرًا وربحية، ما يجعل المنتجين يحرصون على إنتاج المزيد من المسلسلات لجذب المعلنين.. أضف إلى كل ذلك التقليد الثقافي والتراثي لطقوس شهر رمضان فالمسلسلات الرمضانية عادة مترسخة في الثقافة العربية، حيث تعود المشاهدون على متابعة أعمال درامية جديدة كل عام خلال هذا الشهر، هذا التقليد جعل من رمضان موسمًا سنويًا لعرض الإنتاجات الجديدة، ما يؤدي إلى زيادة عدد المسلسلات التي يتم إنتاجها خصيصًا لهذه الفترة إضافة إلى تنوع أذواق الجمهور العربي، مما يدفع القنوات إلى تقديم محتوى درامي متنوع يشمل مختلف الأنواع مثل الدراما الاجتماعية، التاريخية، الكوميدية، والإثارة. هذا التنوع يؤدي إلى إنتاج عدد كبير من المسلسلات لضمان تلبية جميع التفضيلات.

والحقيقة أن كثرة الدراما التلفزيونية في رمضان ليست مجرد مصادفة، بل هي نتاج لعوامل تراثية واقتصادية وثقافية واجتماعية متشابكة، ومع استمرار المنافسة وازدياد الطلب على المحتوى الترفيهي خلال هذا الشهر، من المتوقع أن يظل رمضان الموسم الأبرز لعرض الأعمال الدرامية في العالم العربي.