هناك مثل فرنسي شائع يقول: فتش عن المرأة. ورغم أن هذا المثل يهضم المرأة حقها، فإن طرد الرئيس الأوكراني من البيت الأبيض قد لعبت دوراً كبيراً فيه ممثلة الاتحاد الأوروبي العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس رئيسة وزراء إستونيا السابقة. فهذه السياسية وبالتنسيق مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تتحدثان بلغة، شجعت معها زيلينسكي على تحدي الرئيس ترمب.
واختيار الدولة العميقة في أوروبا لكالاس وزيرة خارجية لها ليس مصادفة، فهذا يتسق مع عقيدة الدولة العميقة التي أنشأتها الولايات المتحدة في أوروبا بعد هزيمة القارة العجوز في الحرب العالمية الثانية. فجد كالاس إدوارد إلفير، كان رئيساً للتشكيل المسلح، لرابطة الدفاع القومية، التي تبنت في أعوام 1939-1940 المشاعر المؤيدة في إستونيا لهتلر، مثلها مثل منظمة القوميين الأوكرانيين OUN، التي تشكل الإطار العقائدي للدولة الأوكرانية منذ عام 2014، والتي هي الأخرى تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي وذلك بكل بساطة لأنها معادية لروسيا.
فهذه السياسية الإستونية، رغم أن شركتي زوجها Stark ogistics وStark Warehousing استمرت في تقديم الخدمات اللوجستية في روسيا حتى بعد بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022، تنتهج سياسة في غاية العداء لروسيا، إلى درجة وصلت بها أن صارت تطالب بأن يصبح «للعالم الحر» زعيم آخر غير دونالد ترامب الذي بدأ التقارب مع روسيا. ولا أدري عن أي عالم حر تتحدث هذه المرأة، اللهم إلا إذا تذكرنا لغة الخطاب التي كانت سائدة أثناء الحرب الباردة، وذلك على الرغم من أن أبوها سيم كالاس كان حينها عضواً في الحزب الشيوعي السوفيتي، الذي خدمه لما يقرب من 20 عاماً.
إن النظرة الضيقة لكالاس، ربما تعود إلى الموقع الذي تشغله إستونيا في العالم. فهذه الدولة مساحتها لا تتعدى 45.34 ألف كم²، يقطنها 1.32 مليون نسمة ينتجون قيمة مضافة قدرها 25.92 مليار دولار. ولهذا فهي تذكرني بوزير خارجية الاتحاد السوفيتي إدوارد شيفردنادزه القادم من جورجيا التي تبلغ مساحتها 69.7 ألف كم²، والذي في اختلافه عن ستالين، لم تكن لديه نظرة يمكن أن تعبر عن طموحات إمبراطورية مترامية الأطراف مثل الاتحاد السوفيتي. فكالاس من الصعب عليها بحكم التكوين الجغرافي والاقتصادي للبيئة التي نشأت فيها أن تعبر عن مصالح إمبراطورية واسعة مثل الاتحاد الأوروبي. فإستونيا دولة متناهية الصغر والامكانيات الاقتصادية، بحيث أن حجم تجارتها معنا لم تتعد عام 2023 أكثر من 72 مليون دولار، استوردت من ضمنها بضائع من السعودية بقيمة 21 مليون دولار وصدرت اليها بضائع بـ51 مليون دولار. فهذه الإمكانات الجغرافية والاقتصادية المتواضعة هي التي تطغى على تفكير كالاس، وأتمنى أن لا تؤدي إلى انهيار الاتحاد الأوروبي مثلما انهار الاتحاد السوفيتي.