كلنا يعرف اللصوصية بمعناها الأمني المعروف، وهي قيام شخص أو مجموعة أشخاص بالحصول خفية على ما ليس لهم من أملاك الآخرين. كما نعرف كذلك عن أنواع أخرى من اللصوصية تتعلق بلصوص الوقت، ويقصد بهم الأشخاص الذين يقتحمون أوقاتنا دون إذن منا، أو المشتتات التي تسرق منا الأوقات دون أن نشعر بها.
ولكن ما سأتحدث عنه اليوم هو نوع جديد من اللصوصية أفرزته لنا وسائل التواصل الاجتماعي وما نتج عنها من حمى التسابق إلى الشهرة ولو على حساب الآخرين وما يقومون به من أعمال.. وقد أطلقت على هذا النوع الجديد من اللصوصية "لصوص الأجور". فتخيل رجلًا عابدًا وزاهدًا وطاعنًا في السن اعتاد التردد على مسجده على مدار العشرات من السنين ولا يعلم به إلا ربه وجماعة مسجده يتم تصويره ونشر قصة تعلق قلبه بالمسجد على الملأ، بل والحرص على مقابلته وسؤاله عن ذلك على الرغم من عدم رغبته في الظهور.. أليس في هذا العمل مدعاة للعجب لا سمح الله وما يتصل به من ضياع الأجر؟
وتخيل رجلًا عفا عن قاتل، أو عن جانٍ بحقه لوجه الله يتم التسابق على تصويره وإشهار ما قام به على الرغم من عدم رغبته في ذلك كصاحبه المصلي.. وتخيل متصدقًا داوم على الصدقة "الصامتة" لسنوات طويلة حتى ابتلي بمن يصور ما يقوم به وينشره على وسائل التواصل الاجتماعي مع ما في هذا التصوير من إخراج هذه الصدقة من سريتها وامتهان لكرامة متلقيها.
إن من يقوم بالتصوير في كل هذه الحالات هم لصوص الأجور الذين قد يقودون إلى ضياع الأجر لا سمح الله، ونقل هذه الأعمال الدينية والخيرية من سياقها الطبيعي إلى سياق الشهرة والبروز، وهو سياق محفوف بخطر العُجب والغرور.. وهدف هؤلاء اللصوص غالباً هو تحقيق الشهرة لأنفسهم أولاً دون مراعاة للآخرين ومصالحهم.. وهم لا يختلفون هنا عمن يرى حادثاً أليماً وربما نتج عنه وفيات ويقوم بتصويره من أجل السبق الإعلامي.. ومع أن هناك قلة قد يكون هدفهم إبراز هذه الأمثلة للاقتداء إلا أن هذا الهدف لا يتحقق بتصوير الناس دون علمهم أو دون رغبتهم أو بالإلحاح عليهم للتصوير.. فلنحذر جميعاً من لصوص الأجور، لا حرمنا الله جميعاً رحمته وثوابه وأجره في هذا الشهر الفضيل.