يكثر الحديث في زمن تقنية الاتصال المتطورة السريعة عن العوامل الأقوى تأثيرا في تشكيل أو توجيه الرأي العام. هل هي الأخبار أم التعليق عليها، هل هي مضمون الخبر أم طريقة إعلانه أم الوسيلة التي أوصلته للمتلقي، هل مهارة الخطابة لاتزال تحتفظ بقوتها في التأثير أم حل محلها لغة الأرقام والبيانات والإنجازات؟ هل المهم الخبر أم صاحب الخبر؟

الأخبار في جيبك وجيب كل إنسان، لا تتحمس في نقل الخبر للآخرين، الكل يعرف ماذا حدث، ما بعد الخبر هو المهم.. التعليق على الأخبار يتجه اتجاهين؛ اتجاه جدي يطرح الأخبار لنقاش يتضمن التحليل ويبحث في الأسباب، ما قبل الخبر وما بعد الخبر، حوار يحاول استقطاب أصحاب التخصص والخبرة باحثا عن الآراء الموضوعية التي تحترم المتلقي فتستند على الحقائق ولغة الأرقام وتبتعد عن طرح الآراء الانفعالية. هذا الطرح الجدي يتعرض أحيانا للاختراق من مشاركين في النقاش يأتون بأفكار جاهزة غير قابلة للنقاش، هذا الاختراق يحول الحوار السياسي أو الثقافي إلى حوار انفعالي عاطفي يشبه بعض الحوارات الرياضية التي يسيطر عليها التعصب للأندية.. التعصب للآراء قد يؤدي للكذب والتناقض ثم تأتي الأخبار الحقيقية لاحقا فتكشف ذلك للمتلقي.

اللغة الأخرى في التعامل مع الأخبار السياسية وغير السياسية هي اللغة الساخرة. هذه اللغة تطل على المتلقي عبر شاشة التلفزيون ثم عبر وسائل الاتصال الحديثة التي لا حصر لها، هذه ظاهرة غير جديدة في العالم الغربي لكنها آخذة في الازدياد خاصة في أميركا حيث يتم التعامل مع الأخبار الجادة من خلال برامج تلفزيونية كوميدية تجارية تحظى بمشاهدات مليونية، يعتبرها البعض نوعا من النقد الساخر غير المباشر وينظر لها آخرون كبرامج للتسلية مثلها مثل المسرحيات الكوميدية.

يتكرر السؤال: من الأكثر تأثيرا في تشكيل الرأي العام؟

ما دور المهارات الخطابية ومدى تأثيرها؟ هل مازالت تحتفظ بقوتها كما كانت في السابق أم حل محلها المضمون والأرقام والإنجازات وخطط المستقبل؟

كيف يمكن للمتلقي التعامل مع مرحلة (ما بعد الأخبار)؟ هل يتجه للتعليقات الجادة أم الساخرة؟

التعامل الذكي هو عدم التسرع في التعامل مع الأخبار، والحرص على الاستماع للمناقشات بأذن موضوعية وفكر مستقل وعدم التأثر بالأصوات العالية أو الروايات غير الموثقة.. الأكيد أن من يبحث عن الحوار المفيد في أي مجال، ويهتم بمعرفة رأي المتابعين والمختصين سيتجه للحوارات الجادة، أما من يبحث عن التسلية فسوف يتجه للبرامج الساخرة، المعضلة التي يواجهها المتلقي هي أن تتحول الحوارات الجادة إلى مسرح للسخرية، فإذا حدث ذلك فهذا يعني أنها بلا معايير مهنية أو أخلاقية وبالتالي تفقد تأثيرها.