احتمالية وجود قاضٍ افتراضي يدير الدعاوى بالكامل واردة بدرجة عالية، خصوصاً أن القضاء السعودي مؤسسي ومقيد بتشريعات واضحة ومحددة، وليس شخصياً يأخذ باجتهادات تتفاوت ما بين القضاة، وبالأخص في القضايا العمالية والمرورية والصحية والتجارية كبداية، لأنها كثيرة وقد يتكلم الخصوم فيها لغات مختلفة، وفيها تخفيف لأعباء الاستعانة بمترجم..

إنجازات وزارة العدل كثيرة ومشرفة، ولدرجة أنها تعتبر رائدة عالمياً في مجالات نوعية، كالإفراغ العقاري الإلكتروني والوكالات الإلكترونية، وتعتبر المملكة من أولى الدول التي عملت عليهما، وبشهادة البنك الدولي، وفي الفترة ما بين 2021 و2024 تمكنت الوزارة من رقمنة أكثر من 200 مليون وثيقة عدلية، مرتبطة بـ250 محكمة وكتابة عدل في المملكة، ولفهم ما يترتب على الرقمنة والخدمات الإلكترونية لا بد من التذكير بأفضل التجارب العالمية، كتجربتي أستونيا وكوريا الجنوبية، فقد استطاعت الأولى توفير 144 عامًا من أوقات الناس سنويًا نتيجة للهوية الإلكترونية ورقمنة الإجراءات في الأجهزة المختلفة، بما فيها استخدام مواقف السيارات والتخلص من النفايات بشكل إلكتروني، واستطاعت الثانية تقليص مصروفاتها بمعدل ثمانية مليارات دولار كل عام، عن طريق الاستثمار في رأس المال البشري العامل في التقنية.. وإجمالي قيمة الثروة العقارية في الداخل السعودي، بحسب المختصين في المجال العقاري يصل إلى 15 ترليون ريال، أو ما يعادل 4 ترليونات و500 ألف دولار، وهو مبلغ مؤثر في الاقتصاد الوطني، بالنظر لحجم الاستثمارات الأجنبية القادمة، والمشروعات الضخمة التي تعمل عليها الرؤية السعودية، بالإضافة لأنها تمثل الأساس لأي نهضة عمرانية في العالم.

نسبة الرضا عن القضاء السعودي، استنادًا للإحصاءات الرسمية، وصلت إلى 82 %، والرقم متفوق بالمعايير العدلية العالمية، والأجمل إطلاق الهوية العقارية، والتي تكلمت عنها وزارة العدل، في الدورة الثانية لمنتدى مستقبل العقار، وتحديداً في يناير 2024، لأنها تعزز الأمن العقاري، فقد جاءت لمنع الازدواجية في الصكوك أو تداخلها، ولمعالجة مسألة الصكوك المخالفة، واقتراح الإجراءات التأديبية والجنائية بحقها، ولمنع إلغاء ملكية الصكوك، ما لم تكن صدرت بطريقة مشبوهة، وقد صدر بموجب هذا النظام، أكثر من خمس مئة ألف صك، والمستهدف الوصول لأربعة ملايين، بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية.

زيادة على ذلك البورصة العقارية السعودية، التي بدأت في نوفمبر 2021، موجودة في كندا وبريطانيا وسنغافورة واليونان، إلا أنها تختلف نسبيًا، لاختلاف طريقة التعامل مع العقار، ولكونها مركزية في المملكة، ومسؤوليتها تدخل في اختصاصات وزارة العدل وحدها، بينما في بقية الدول يقوم القطاع الخاص وبعض الجمعيات الخاصة بإدارة العقار، ما يعني وجود ميزة تنافسية لدينا، فيما يتعلق بالتحقق من الهويات بواسطة مركز المعلومات الوطني، ومن الملاءة المالية والقيود على صاحب الحساب عن طريق البنك المركزي، وعملية الشراء فيها، تشترط على المشتري دفع المبلغ كاملًا قبل تقديم العرض، ولا يستطيع البائع التراجع عند دفع العربون، ما دام في حدود مدة العرض المقررة من قبله، وبما لا يقل عن عشرة أيام، ولعلها شبيهة بتداول الأسهم إلى حد كبير، والفارق أن احتمالات التلاعب في بورصة العقار صفرية.

في مؤشر نضج الحكومة الرقمية، الصادر عن البنك الدولي عام 2022، جاءت المملكة في المرتبة الثالثة من أصل 198 دولة، بعد كوريا الجنوبية والبرازيل، وتقدمت على دول كالدنمارك وأميركا وبريطانيا وفرنسا، لأن بعض الدول في شمال أميركا وغرب أوروبا مازالت تعتمد الأساليب الورقية القديمة في أمور كثيرة، كإصدار وتجديد رخصة القيادة والهوية الوطنية وجواز السفر وغيرها، ومن الأمثلة عليها أميركا وفرنسا، ونحن متفوقون عليهم بمراحل، ولعلها تشير إلى أن إنتاج التقنية لا يساوي بالضرورة إمكانية توظيفها بالطرق الصحيحة، أو المتوافقة مع تطلعات المجتمع المحلي.

في مؤتمر ليب 24 الذي استضافته الرياض خلال مارس 2024، عرضت شركة علم السعودية ما يعرف بالمساند القضائي الذكي، وهو يعمل كنموذج ذكاء اصطناعي يعتمد على تعلم الآلة، وبما يساعد القضاة في وزارة العدل على اتخاذ القرارات، وذلك عن طريق أتمتة عمليات استرجاع القضايا المشابهة، ومعها الأطر القانونية والأحكام الشرعية المتصلة بها، والسابق سيسهم في تقليص مدة النطق بالأحكام، والوزارة اعتمدت هذا الأسلوب بشكل تجريبي في الفترة الحالية، ضمن مشروع نمذجة الدعاوى، وبحيث يظهر الحكم للقاضي من الآلة، وبدقة تنبؤ تصل نسبتها في معظم الحالات إلى 100 %، وللقاضي الحق في الأخذ بالحكم أو رفضه، مع ضرورة توضيح أسباب الرفض حتى يتم العمل على تحسين مخرجات الآلة.

المعنى، أن احتمالية وجود قاضٍ افتراضي يدير الدعاوى بالكامل واردة بدرجة عالية، خصوصاً أن القضاء السعودي مؤسسي، ومقيد بتشريعات واضحة ومحددة، وليس شخصيًا يأخذ باجتهادات تتفاوت ما بين القضاة، وبالأخص في القضايا العمالية والمرورية والصحية والتجارية كبداية، لأنها كثيرة وقد يتكلم الخصوم فيها لغات مختلفة، وفيها تخفيف لأعباء الاستعانة بمترجم، فقد وصلت أعداد اللغات التي تتم ترجمتها في المحاكم وتحديداً في هذا النوع من القضايا إلى 47 لغة، والممثليات الأجنبية لا تتعاون باستمرار في توفيرهم، ومن ثم وعند نجاح التجربة يمكن تطبيقها في بقية المحاكم وفق اختصاصها، والقاضي الافتراضي مزاجه مستقر ومحايد في أحكامه، ولا يقبل بالتدخلات غير المشروعة أو المخالفة للأنظمة.