كانت المملكة - ولا تزال - وعبر عقود طويلة، ذات مواقف راسخة وثابتة، تجاه قضية العرب والمسلمين الأولى «قضية فلسطين»، وهي مواقف انطلقت من قناعات راسخة مبنية على مبدأ العدل وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وهذا الموقف كان من الثبات والالتزام ما جعله موقفاً لا يقبل الخضوع ولا المساومة، ولا التفريط أو التهاون. كان موقفاً ترجمته المواقف والمبادرات، وكذلك الدعم اللامتناهي سواء دعماً سياسياً أو دبلوماسياً أو مساعدات إنسانية وإغاثية ثمّنها وقدّرها العالم بأسره. ولم يقف الدعم عند هذا الحد بل إنه اقترن بالصوت الصادح الداعي لمنح الشعب الفلسطيني حقوقه، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس.

ولا يغيب عنا ما شكلته قرارات القمة العربية والإسلامية التي استضافتها المملكة في نوفمبر الماضي (2024م) من أهمية، لاسيما قرارها المتضمن رفض تهجير المواطنين الفلسطينيين؛ حيث شكّل أساساً ومرجعاً للموقف العربي من التصريحات الأميركية والإسرائيلية بشأن تهجير الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، وضم الضفة الغربية لإسرائيل، ووضع قطاع غزة تحت إدارة السلطة الأميركية؛ فقد أعلنت المملكة مع شركائها في اللجنة الوزارية العربية والإسلامية المشتركة، ومملكة النرويج، والاتحاد الأوروبي، إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، واستضافت أول اجتماعاته في الرياض بمشاركة نحو 90 دولة ومنظمة دولية، واعتُبر مؤشراً لإعادة المصداقية للعمل متعدد الأطراف، ودليلاً على الرغبة الصادقة في إحلال السلام وإقامة الدولة الفلسطينية.

هذا فيما يخص الجانب الفلسطيني، أما دور المملكة تجاه أشقائها العرب والمسلمين فهي بذات النهج العادل، والمرتكز على قيمها وسياساتها الراسخة تجاه سلام وأمان الشعوب وحق تقرير مصيرها، ولا يغيب عن أي متابع تلك الجهود المخلصة تجاه المحيط العربي والإقليمي على السواء، فقد أكدت المملكة وقوفها إلى جانب لبنان وشعبه الشقيق ودعمه لتجاوز أزماته، وشددت على أهمية إنجاز الإصلاحات اللازمة لتعزيز أمن واستقرار ووحدة لبنان، وعبرت عن ثقتها في قدرة الرئيس جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام على الشروع في تنفيذ هذه الإصلاحات.

كما تواصل المملكة جهودها لمعالجة الأزمة السودانية، والتوصل لوقف إطلاق النار، وعودة الاستقرار لجمهورية السودان الشقيقة، والتمهيد لمستقبل سياسي يضمن أمن واستقرار البلاد ووحدتها وسيادتها ووقف التدخلات الخارجية، مع استمرار جهود المملكة للاستجابة الإنسانية لتخفيف معاناة الشعب السوداني الشقيق.

وسط كل هذه المعطيات يبقى الموقف السعودي عنواناً ثابتاً يعكس سياسة متوازنة ملتزمة لا تنساق خلف حسابات ضيقة؛ وإنما نهج عادل وأصيل يسعى لأجل السلام العادل لكل الشعوب، ويعيد لهم استقرارهم المنشود.