الذات جهة أخرى لنا ليست مجرد سياق عاطفي عشوائي قد نقف في مساحتها بين التوبيخ والتجاهل، لكن لعلنا ونحن على منصة التدبر في عمق علاقة خشنة يمكننا أن نواجهها بليونة..
هل نتصور ما سنشعر به حقاً إذا اتبعنا رغبتنا بالتخلص من تطلعاتنا عندما نبتغي الاستمتاع بحياة سعيدة، يتردد صداها داخلنا قبل الآخر..؟
حقيقة في معركة الذات جبهات وتكتلات وما بين المواجهة والهروب نقف مرتبكين؛ ففي عالم مليء بأبواب خفية نتخيل السقوط شئنا أم أبينا فلا نعلم ما بين الإحباط والتحفيز من فروقات.
في معركة الذات قد تكمن النقطة الحاسمة في أن معرفتنا بإمكانية الارتفاع دائماً إلى مستوى أعلى يمكن أن تُمثل هبوطاً حقيقيًا. وهو ما يخبرنا أننا قد نصل أو لا نصل أبداً إلى النقطة النهائية للسعادة، مع إدراكنا أنه لا توجد نقطة حتمية للسعادة. بعضنا سيدعو نفسه ويقول لا داعي للقلق، فسرعان ما يصبح الواقع الذي نعتركه حالياً هو وعينا الطبيعي الجديد؛ ذلك في علاقتنا مع ذاتنا المتضخمة أو المرتبكة التي قد تنفصل عن عقل العاطفة، وعاطفة العقل..
وفي علاقتنا مع الآخر لم أكن دومًا أخشى من زمن يأتي بالخذلان.. فالحياة أحياناً تتمدد أمامنا دونما نشعر.. فظنون النقاء، ونوايا البياض إن صدقنا مع ذواتنا ستسير بنا بحول الله في كل المسارات والمعتركات..
ولكن.. أحياناً قد يبدو أن مشاهد الواقع تغتالها حقيقة الخيالات.. فتأتي لنا بأمور تصدمنا لاحقاً.. لأننا كنّا بلا انتباه بسبب اتساع غفلتنا، وابتعادنا عن بعض التفاصيل.
جيد أن تنظم الحروف في واقع الاطمئنان.. لكنك في حالة الخذلان ستجد أنك تفقد لغتك، وتسقط كل حروفك.. وتعود كطالب بالمرحلة الابتدائية يتعلم حروفاً وجملاً ليقولها هنا وهناك.. حينما تحس بغصة تلتصق بالذاكرة.. تحاول طعن الوعي بالداخل.. وفي زخم الإعصار تود أن تصرخ حتى يفر الأسى.. وتذوب الصدمات.. وتعيد ترتيب ذاتك.
كثير أولئك الذين يكونون قريبين منك جداً.. تتعلق بمودتهم.. ويظهرون لك مشاعر مختبئة.. قد يكون خلفها عكس ما يظهر.. لكنك تتعامل معهم بحسن ظنك..
أحياناً قد يكون أكثر واحد نفعته هو نفسه أكثرهم مضرة.. خذلان أولئك لنا ليس بسبب طيبتنا، بل بسبب علاقاتهم الفاسدة بذواتهم.
في علاقتنا مع الآخر ليست المسألة أن تحكي قصص طعنات، أو مواقف متقلبة، وليست القضية أن تجعل الأسماء التي تعاملت معها تترنح على أوراق مهترئة.. أسوأ أمر أن يصورك أحدهم أنك منفذ سعادته، وأقرب حدوده، وقد يعايشك وهو يرتدي أقنعة الاستغلال، ويخلع ثقتك به ليتزين بثياب الانتهاز.
خلفك حين تكون مؤثراً وحاضراً بسمتك وخلقك متصالحاً مع ذاتك قد يقبع أناس وراء بصرك مهما كانت صلتك بهم، أو صلتهم بك.. ففي زمن اللهو تختل كل الأدوار، وتفسد كل النفوس.. لكن كما تكون المعركة الذاتية فالنتيجة أن المنتصر هو الذي لا ينقلب وكل منّا سيأخذ نصيبه من أخلاقه وحظه..
وفي معركتي ألزمت نفسي بقناعة أن الكل سيبقى بمكانه، ومقامه مهما حدث.. يصل لمن يظن أن حياة ما تكون ناصعة من الآهات، والمحطات المزعجة.. وأيضاً ذلك شيء قد يسمعه الآخر بعينيه، ويبصره بقلبه ليعرف أن الزمن قد يأتيه بالغرائب، وأن الأيام قد تركل مؤخرة الأمنيات الخفيفة.. وأن الثقة لا توهب لأحد إلا لمن يستحقها وعليه أن يجتهد ليعرف من يستحقها بذكاء.
في محطة ذاتية أخرى قد تصعب الأمور حين تريد أن تتفرغ لحياتك الجميلة الحاضرة.. لكنك تجد أنك أحياناً تجيد التذكر أكثر مما تجيد النسيان؛ امتزاج غريب جداً في اعتراك ذاتي ترغب شيئاً ويأتيك شيء آخر.
ويبقى القول: الذات جهة أخرى لنا ليست مجرد سياق عاطفي عشوائي قد نقف في مساحتها بين التوبيخ والتجاهل لكن لعلنا ونحن على منصة التدبر في عمق علاقة خشنة يمكننا أن نواجهها بليونة.