تعد مفردة (رمضان) من المفردات التي حَظيت باهتمام واسع لدى الأدباء في شعرهم ونثرهم منذ القديم إلى يومنا هذا، وكنا قد تناولنا الحديث عن هذا الشهر الفضيل في الأدب في رمضانات خلت، فأشرنا إلى مظاهر استقباله، وأشكال توديعه، وبعض الظواهر الأخرى التي تطرّقنا فيها لرمضان من الجانب النقدي، كالإشارة إلى ثنائية الصوم والفطر، وقد جمُعت أكثر تلك الدراسات فيما بعد في كتاب مشترك، وهو (فوانيس رمضانية في اللغة والأدب)، ولعلنا نحاول هنا في هذا المقال أن نستكمل البحث عن حضور رمضان في أركان الأدب، أي تلك المؤلفات التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته، وهي كتاب: (أدب الكاتب لابن قتيبة، والكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، والنوادر لأبي علي القالي).
وقد حضر (رمضان) في كتب الأدب القديم كثيراً، ومنها أعمدة كتب الأدب الأربع، ففي أدب الكاتب لأبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (276هـ) في كتابه (أدب الكاتب): «وتقول في جمع الشهور: هو المحرم والمحرمات، وصفر وأصفار، وشهر ربيع وشهور ربيع، وكذلك شهر رمضان، وشهور رمضان، ورجب وأرجاب، فإن أفردت قلت أربعاء، وأربعة، ورمضانات، وجماديات، وشعبانات، وشوالات، وشواويل، وذوات القعدة، وذوات الحجة».
وجاء في (البيان والتبيين) للجاحظ (255هـ): «قال: ونظر أعرابي إلى قوم يلتمسون هلال رمضان، فقال أما والله لئن أثرتموه لتمسكن منه بذنابي عيس أغبر». وقال: «وقلت لملاح لي، وذلك بعد العصر في رمضان: انظر كم بين عين الشمس وبين موضع غروبها من الأرض؟ قال: أكثر من مرديين ونصف». وقال: «وإنما سمي شوال شوالاً؛ لأن النوق شالت بأذنابها فيه. فإن قال قائل: قد يتفق أن يكون شوال في وقت لا تشول الناقة بذنبها فيه، فلِمَ بقي هذا الاسم عليه، وقد ينتقل ما له لزم عنه؟ قيل له: إنما جعل هذا الاسم له سمة حيث اتفق أن شالت النوق بأذنابها فيه، فبقي عليه كالسمة، وكذلك رمضان إنما سمي لرمض الماء فيه، وهو في شدة الحر، فبقي عليه في البرد. وكذلك ربيع، إنما سمي لرعيهم الربيع فيه، وإن كان قد يتفق هذا الاسم في وقت البرد والحر».
وفي (الكامل في اللغة والأدب) للمبرد (280هـ) وهو أفضلها عرضاً: «وفي القرآن: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، والشهر لا يغيب عنه أحد، ومجاز الآية: فمن كان منكم شاهداً بلده في الشهر فليصمه، والتقدير {فمن شهد منكم}، أي فمن كان شاهدًا في شهر رمضان فليصمه، نصب الظروف لا نصب المفعول به»، وقال: ويروى عن الأصمعي أنه قال: هجم علي شهر رمضان وأنا بمكة، فخرجت إلى الطائف لأصوم بها هربًا من حر مكة فلقيني أعرابي فقلت له: أين تريد؟ فقال: أريد هذا البلد المبارك لأصوم هذا الشهر المبارك فيه، فقلت له: أما تخاف الحر؟ فقال من الحر أفر».
وفي (الأمالي) لأبي علي القالي (356هـ): «وقال أبو زيد: جئت على عقبه رمضان وفي عقبه إذا جئت، وقد مضى الشهر كله، وجئت على عقب رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد بقيت أيام من آخره»، وقال في موضع آخر: «وحدثنا أبو بكر بن دريد - رحمه الله - قال: أخبرنا عبدالرحمن، عن عمه، قال: نظر أعرابي إلى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان فقال: والله لئن أثرتموه لتمسكن منه بذنابى عيش أغبر».