في مثل هذا اليوم الجمعة 7 رمضان 1443هـ، وفي الساعة الخامسة وتسع دقائق صباحاً ودعنا والدي وصديقي الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز الحسيني إلى الدار الآخرة، ومنذ تلك الساعة الحاسمة في حياتي صباح طويل ويوم أطول وثلاث سنين طوال، كونه طوال الوقت حاضر بروحه وابتسامته في وجداني وذهني وقلبي، وذلك بعد أن زرع حب الخير والصدق في التعامل مع الآخرين، فأحسن التعليم والتأديب، بنصائحه وطريقته الهادئة وعقيدته الصافية التي كانت تجعلني أتلهف وأقوم بتنفيذ ما يقوله حرفياً احتراماً وتقديراً ومحبة له، يهتم بالصغير ويُجِّل الكبير، يقدِّس تعاليم الدين ويقدِّر مكتسبات الوطن.

كان والدي -رحمه الله- استثنائياً في كل مراحل حياته ومن أوائل المدافعين عن حق الفتاة بالتعليم، وكافح وجاهد وقارع المعارضين الحجة بالحجة، رغم المعارضة الشديدة لهذا الأمر أيام عمله في بدايات تعليم البنات، حيث بدأت مسيرته عام 1370هـ، في مدرسة القويعية الابتدائية للبنين وكاد أن يستقر فيها ثم عاد عام 1376هـ إلى شقراء وعمل في محكمتها مع فضيلة الشيخ صالح بن غصون -رحمهما الله-، ثم مديراً لدار الأيتام بشقراء، فمساعداً لمدير دار الأيتام بالطائف، ثم مندوباً لتعليم البنات بشقراء، فمفتشاً بالمنطقة الشرقية، فمديراً عاماً لتعليم البنات بالمدينة المنورة، وختم عمله الرسمي مديراً للتعليم في الجامعة الإسلامية. 

كما كان -رحمه الله- أول مندوب لتعليم البنات بالمنطقة الوسطى بالمملكة عام 1381هـ في شقراء، وهي من ضمن أول خمس مندوبيات في المملكة، ثم جرى انتدابه من رئاسة التعليم آنذاك لفتح عدة مندوبيات ومدارس كثيرة، ثم انتُدب إلى جازان والزلفي والمجمعة وحائل، وغيرها، وقد تحمَّل الكثير من المعاناة لأجل افتتاح تلك المدارس، لكن تكللت جهوده بالنجاح بفضل الله، ثم بدعم القيادة الرشيدة حيث وجد من ولاة الأمر -حفظهم الله- كل الدعم والمساندة لمنح الفتاة السعودية حقها بالتعليم.

وعنه يقول المربِّي الفاضل، والصديق أ. عبدالعزيز بن سعود البليهي (أبو سعود) مدير التعليم بمنطقة الوشم سابقاً: "عبدالله الحسيني -رحمه الله- من روَّاد التعليم ومن أوائل المعلمين بمحافظة القويعية، ومنذ أن وصل إلى مدينة القويعية قادماً من مدينة شقراء، التف حوله إخوانه وأبناؤه يحملونه على كفوف الراحة لما يمتاز به من السماحة وحسن الأخلاق والرجولة والشهامة والكرم، فعاش بينهم كواحد منهم، ومرَّت الأعوام تلو الأعوام فعرفوه مربياً فاضلاً ومعلماً قديراً متمكناً، فغرس في طلابه مكارم الأخلاق، وحب العلم والتعلم، وكان لي شرف التتلمذ على يديه قبل أن ينتقل إلى موقع آخر، وما زلنا نحفظ له الإجلال والاحترام والتقدير، ونُكِنُّ له حباً ينبض في قلوبنا مدى الأيام، وإنْ رحل عن عالمنا فإنَّنا ندعوا له بالرحمة والمغفرة لقاء إخلاصه وأمانته. 

فشكراً لأبي سعود -صنَّاجةُ القويعية-؛ على كلماته بحق الوالد، ونسأل الله أن يجمعنا بأبي الغالي في الفردوس الأعلى من الجنَّة مع الشهداء والصالحين، وأن يجعل عمله في هذه الدنيا الفانية في ميزان حسناته بالدار الآخرة.