تخيل الاستيقاظ صباح السبت لتجد هاتفك لا يعمل، وسيارتك المعبأة بالوقود معطلة، وشبكة الكهرباء متوقفة. يبدو الأمر كما لو كان مؤامرة في رواية كابوسية، ولكن في الواقع، يقف العالم مع أشباه الموصلات إذا تعطلت على حافة الفوضى. الرقائق الإلكترونية الأصغر من ظفر الإصبع، الواحد منها أقوى من الحاسبات التي أرسلت رواد الفضاء إلى القمر في الستينيات، تمثل اليوم العمود الفقري للحياة الحديثة وعلامة فارقة في النضال من أجل الهيمنة العالمية. لا تعد المنافسة للسيطرة على سلاسل توريد أشباه الموصلات قضية اقتصادية فقط، إنها معركة يمكن أن تقرر مصير الدول.
قادت الولايات المتحدة صناعة أشباه الموصلات على مدى عقود، وذلك بفضل الشركات الرائدة مثل إنتل وفيرتشايلد لأشباه الموصلات. بدعم حكومي في بيئة ثقافية خلاقة، أصبح وادي السيليكون مسقط رأس الشريحة الدقيقة الحديثة. ومع ذلك، مع عولمة الصناعة، تحول ميزان القوى. في الثمانينيات، تحدت اليابان هيمنة الولايات المتحدة بصناعتها المتفوقة. اليوم، تنتج تايوان وكوريا الجنوبية، موطن شركات مثل (تي أس أم سي) وسامسونج، الرقائق الأكثر تقدما في العالم. لا تزال الولايات المتحدة تقود تصميم أشباه الموصلات، ولكن التصنيع انتقل إلى حد كبير إلى الخارج.
خلق هذا التحول نقطة ضعف خطيرة. أنفقت الصين، إدراكا لاعتمادها على الرقائق الأجنبية، المليارات في محاولة لتطوير صناعة أشباه الموصلات الخاصة بها. ومع ذلك، على الرغم من الإعانات الحكومية الضخمة، فإنها لا تزال متخلفة عن الولايات المتحدة وتايوان في إنتاج الرقائق المتطورة. ردا على ذلك، شددت واشنطن القيود المفروضة على وصول الصين إلى تقنيات صناعة الرقائق الرئيسة، ولا سيما استهداف شركات مثل هواوي. غذت هذه الحرب الاقتصادية التوترات بين القوتين العظميين، وباعتبارها مركزا عالميا لتصنيع الرقائق، أصبحت تايوان في قلب الصراع.
مؤخرا، أعلن الرئيس الأمريكي ترمب بأن تصنيع أشباه الموصلات خارج أمريكا يمثل خطرا على الأمن القومي خصوصا مع تهديد الصين لتايوان. إذا استولت الصين على تايوان، فيمكنها السيطرة على شركة (تي أس أم سي)، الشركة التي تنتج الرقائق الأكثر تطورا في العالم، مما يعطي بكين ميزة تقنية ذات عواقب عالمية.
لذلك تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تصنيع أشباه الموصلات محليا. ومع ذلك، فإن إعادة بناء صناعة أشباه الموصلات المحلية ستستغرق وقتا طويلا واستثمارات بالمليارات. وفي الوقت نفسه، يستمر الصراع الجيوسياسي، حيث تتسابق كل من الولايات المتحدة والصين لتأمين مستقبلهما التقني.
يوضح التنافس على تصنيع الرقائق شيئا واحدا، صراع أشباه الموصلات سيحدد مستقبل هذا القرن. لذلك على صانعي السياسات وقادة الأعمال ومتخذي القرار عموما أن يدركوا أن هذه الرقائق الصغيرة محور القوة والصراع لعقود قادمة. ما تسعى له الولايات المتحدة الآن هو الحفاظ على نفوذها العالمي، وعلى بقية الدول التصرف بسرعة لأن في سباق الرقائق لا توجد فرص ثانية.