بشهادة العالم والمنظمات الدولية، فإن لدى المملكة تاريخاً طويلاً من ترسيخ السلام والاستقرار الدوليين، أطلقت خلاله دعوات لشعوب المعمورة، بأهمية تعزيز قيم التسامح، ونبذ كل صور التطرف والكراهية والعنف بينهم، وكان لهذه الدعوات أثرها الواضح في ترسيخ مبادئ التعايش السلمي بين الناس، على اختلاف دياناتهم، أجناسهم وأعراقهم، وتبلغ الجهود السعودية في هذا المسار ذروتها في نطاق الدين الإسلامي، بتذكير المسلمين -على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم- بأهمية التضامن بينهم، لمواجهة التحديات المفروضة عليهم، وهو ما يفسر استضافة المملكة مؤتمر «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» في نسخته الثانية.
وتأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر تأكيداً على زعامتها الإسلامية، وحرصها الكبير على قيادة العالم الإسلامي إلى بر الأمان، متجاوزة به العُقَد الطائفية والمذهبية التي قد تعصف به، وتؤمن المملكة بأن ما تقوم به في هذا المسار، يندرج ضمن صميم واجباتها ومسؤولياتها، كحامية للإسلام والمسلمين منذ فجر الإسلام، وهو ما يرسخ الحكمة السعودية التي باتت أنموذجاً عالمياً يُضرب به المثل في تحقيق أفضل النتائج والمكاسب للمسلمين على أرض الواقع.
في مؤتمر «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية»، يرى الجميع أن المملكة تقود عملاً إسلامياً نبيلاً، تحقق من خلاله تطلع الأمة الكبير، بتعزيز التضامن الإسلامي، من نافذة تجاوز المفاهيم الضيقة حيال التنوع المذهبي، الذي أفضى في كثير من الحالات إلى أحداث مؤسفة، تشعلها من حين لآخر الأفكار الطائفية المتطرفة، ما جعل المؤتمر بمثابة دلالة واضحة تعكس حرص ولاة الأمر في المملكة على استدامة العمل الإسلامي، بما يحقق الأهداف المرجوة بإيجاد عالم إسلامي قوي ومتسامح، يتمتع بجذور راسخة من الثوابت المشتركة.
ولتحقيق الأهداف المرجوة من المؤتمر الدولي، حرصت المملكة على استضافته في رحاب مكة المكرمة، أطهر بِقاع الأرض، والقِبلة الجامعة، التي تهفو لها قلوب المسلمين كافة، ويحمل هذا الحرص رسالة إلى جميع علماء الأمة من ضيوف المؤتمر، بحتمية جمع الشمل، وتعزيز التضامن، وتوحيد الكلمة، على هذه الأرض الطاهرة، التي لطالما كانت أيقونة اتحاد المسلمين، ومصدر قوتهم وفخرهم منذ بزوغ نور النُبوّة.
جهود المملكة في جمع كلمة المسلمين وغيرهم، قديمة، وتنطلق من رؤية السعودية بأن القيم الإسلامية السمحة نهج متكامل لتعزيز الأمن والاستقرار والتسامح، ليس بين أصحاب المذاهب الإسلامية أنفسهم، ولكن بين كل المجتمعات الإنسانية بمختلف دياناتهم وجنسياتهم وانتماءاتهم السياسية والثقافية، ليكونوا نسيجاً واحداً ضد كل ما يهدّد تلاحمهم وتماسكهم، وهو ما يفسر إطلاق المملكة مبادرات متعددة في هذا الشأن، كان أبرزها إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، والمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال).