حظيت المملكة كعادتها باهتمام عالمي غير مسبوق بعد استضافتها لحدثين مهمين قد يغيران كثيرًا من الأوضاع في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، هما اللقاءات الأميركية - الروسية حول الحرب في أوكرانيا، والاجتماع العربي التشاوري حول الوضع في قطاع غزة.

وقد أثار الاجتماع الأميركي - الروسي ردود فعل متباينة من الرئيس الأوكراني زيلينسكي وبعض القادة الأوروبيين الذين رأوا فيه تخلياً من الرئيس ترمب عن زيلينسكي إلى حد التلويح بتحميله مسؤولية هذه الحرب التي دخلت عامها الرابع، وفي الوقت الذي يطالب فيه الرئيس ترمب أوكرانيا بتعويض ما دفعته لها إدارة الرئيس بايدن من خلال منح بلاده حق احتكار المعادن الأوكرانية، وجدت الدول الأوروبية نفسها وحيدة في تحمل تكاليف هذه الحرب التي يود ترمب إنهاءها وإنهاء الحروب في العالم مثلما وعد في حملته الانتخابية.

ولاعتبارات كثيرة، طلبت الإدارة الأميركية من قيادة المملكة استضافة اللقاءات الأميركية - الروسية عالية المستوى التي مهدت للقاء مرتقب وفي المملكة أيضًا بين الرئيسين ترمب وبوتين.

واستضاف سمو ولي العهد ملك الأردن والرئيس المصري في لقاء "أخوي" مع قادة مجلس التعاون الخليجي، ومع أنه لم يصدر أي بيان ختامي عن هذه القمة، إلا أنها جاءت بعد الأجواء المشحونة التي خلقتها تصريحات ترمب التي دعا فيها إلى تهجير سكان غزة والاستيلاء عليها، وهي تصريحات أثارت غضبًا ومعارضة عربية رسمية وشعبية. كما جاءت في أعقاب تصريحات نتنياهو ضد المملكة التي ردت بقوة على هذه التصريحات وأعادت تأكيد موقفها الثابت من قضية الشعب الفلسطيني.. وقد أدت هذه المواقف الصريحة المعارضة لاقتلاع سكان غزة من قيادة المملكة ومصر والأردن والدول العربية الأخرى إلى تراجع الرئيس ترمب عن فكرة "ريفيرا" غزة وقال إنها "كانت فكرة جيدة" قابلة للنقاش مستغربًا لماذا يرفضها العرب.

عندما قبلت المملكة استضافة المباحثات الأميركية - الروسية، فقد وفرت "رافعة" للإدارة الأميركية للوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الأميركي والعالم بوضع حد للحرب في أوكرانيا. وقد اختارها الرئيس ترمب لأنه يعرف ما تمثله المملكة من ثقل ديني ومالي واقتصادي وجيوسياسي. وعندما اختار سمو ولي العهد دعوة قادة الأردن ومصر للقاء قادة الخليج العربي فقد أراد التأكيد على وحدة الموقف والمصير العربي وعلى أن المنطقة لم تعد تحتمل المزيد من الحروب.

تدرك الإدارة الأميركية أن المملكة هي مفتاح السلام، ولكنها في الوقت ذاته لن تتخلى عن مسؤولياتها إذا ما تعرضت دولة عربية للخطر وطلبت نجدتها، كما أن عليها أن تعرف أن قيادة المملكة لن تفرط بقضية الشعب الفلسطيني وأنها لن تهرول للتطبيع مع هذا الكيان الذي يتفنن قادته في إفشال كل محاولات إحلال السلام والاستقرار.

في كل الأحوال، يظل دور القيادة السعودية محوريًا في كل ما يجري وهو دور لم يتفضل الآخرون عليها به، بل انتزعته بجدارة وتمارسه باقتدار. وقد أكدت صحيفة نيويورك تايمز أمس أن استضافة اجتماعات أوكرانيا وغزة أعطى  للسعودية زخمًا وقوة وتأثيرًا على الساحتين العربية والدولية.

إن أكثر ما يخشاه قادة العدو الصهيوني هو وحدة العالم العربي واتفاقه على اتخاذ خطوات عملية ملزمة.. ولهذا رمت قيادة المملكة بثقلها لضمان أكبر قدر ممكن من التضامن والتكاتف، وهذا أكثر ما يخشاه العدو وسيحاول إفشاله.