نحن نجرم في حق كيماء أجسادنا وفيزياء أطرافنا عندما نجفوا الكتابة بالقلم ونعلق أصابعنا فقط بلوحة مفاتيح تتشابه حركة أصابعنا في الضغط على أي زر منها مع اختلاف الحروف، وهو الأمر الذي لا يحدث عندما نكتب بالقلم. الكتابة بالقلم حالة فنية وموسيقى أنامل راقية جميلة الحركة والتموج، فلكل حرف حركة وانحناء ورفع وخفض تستجيب لها حركة يدنا فيزيائيا ويتفاعل معها جسدنا من خلال عناصره المركبة لأننا عبارة عن مجموعة كبيرة جدا من العناصر الكيمائية التي تحرك تصرفاتنا وتغير من شكل ملامحنا ونوع شعورنا وطبيعة مزاجنا.
(علم بالقلم)، وإن كان المعنى لا يقتصر على القلم فمفهوم القلم يشمل كل ما من شأنه أن يكون أداة أو وسيلة للتعلم والتعليم إلا أن القلم يملك مواصفاته الخاصة وقيمته في الكتابة وجمال الخط الذي يرتبط بصاحبه، وحتى الخطوط غير الجميلة فإنها تشير إلى صاحبها وتعتبر جزء من هويته، وهذا لا ينطبق على لوحة المفاتيح الجامدة. القلم بين الأصابع روح تنبض، وكلمات لا حصر لها ومشاعر تتدفق ومتعة حتى ونحن نشخبط أو نكتب كلمات لا معنى لها. لا تستهن بقيمة الكتابة بالقلم على الورق فعقلك ينمو وجسدك يستجيب. أنت تمارس علاج بالكتابة وتتناول دواء لا أضرار جانبية له بل كله فوائد؛ تنشط يدك وتحث عقلك على تتبع حركات أناملك وتموجات يدك. ببساطة أنت تمرن عقلك، فكما أن جسدك يحتاج إلى حركة تنشطه ورياضة تقويه كذلك عقلك.
وكما أشار العنوان إلى القلم أشار إلى التاريخ، والمقصود به التاريخ الهجري الذي يرتبط بهويتنا الإسلامية ومواسم العبادة، وهو كذلك يرتبط بتاريخنا الإسلامي الذي اختار أن تكون الهجرة النبوية ميلاده وبداية احتسابه، وهذا لا يتعارض مع أهمية التاريخ الميلادي في تنظيم حياتنا العملية، وهو التاريخ الأكثر وضوحا وثباتا والأقرب للجانب العملي بدقته واتفاق أوقاته مع المواسم والفصول ومع الأنشطة العالمية من حولنا. اهتمامنا بتاريخنا الهجري يأتي عندما لا نهجره في تقاويمنا المعتمدة، وأن نجعله إلى جوار التاريخ الميلادي، فهذا مهم وهذا مهم، ولا يلغي أي منهما الآخر، فنحن لنا خصوصيتنا المرتبطة بوطننا العظيم قبلة المسلمين، ولنا ارتباطنا بالعالم من حولنا من خلال مكانة بلادنا ودورها العالمي المحوري؛ نتأثر ونؤثر، ونتفاعل ونتعامل، ونكون علاقاتنا مع من حولنا فلا ننفصل عن الحياة والعالم، ولا نهمل هويتنا الوطنية بتاريخها الإسلامي في مجالها وسياقها، ولا نهمل التاريخ الذي يعتمده العالم من حولنا ويربطنا بحياتنا العملية بوضوح ودقة متناهية.