يُعد شهر رمضان المبارك مناسبة خاصة تتجدد فيها المشاعر والذكريات، حين يحمل في طياته الكثير من اللحظات التي تترك أثراً عميقاً في نفوسنا، تتجدد تذاكرًا مع مرور السنوات، لنغرق في الحنين إلى الماضي، مستعيدين أجواء رمضان في الطفولة والشباب، حينما كانت الحياة أكثر رحابةً ومتّسعا والعلاقات أكثر دفئا .
وشهر رمضان بخصوصية طقوسه وتفرد لحظاته مقارنة ببقية أيام العام يحتل مساحة شاسعة في الذاكرة فنحيل تعقيدات يومنا إلى بساطة أمسنا حيث كانت تضفي على الشهر طابعاً أكثر روحانية. إذ كان الناس يجتمعون حول موائد الإفطار المتواضعة، المعدّة بمودة وحب. دون وسائل ترفيه معقدة أو هواتف ذكية تسرق الأوقات، بل كانت العائلة هي محور الحياة، وكانت المجالس الرمضانية تجمع الأحباب والجيران، حيث تُروى الحكايات وتُتبادل الأحاديث وسط أجواء من الألفة والودّ.
أما قبل أذان المغرب، فقدكانت الشوارع تضج بالحركة، الأطفال يلعبون في الأحياء، ورائحة الطعام تتسرب من نوافذ المنازل، معلنة اقتراب لحظة الإفطار. كان الجميع يترقب صوت المدفع أو الأذان، ليعمّ بعده صمت عميق لا يقطعه سوى أصوات الملاعق وهمسات الدعاء. والتحلق حول سفرة رمضانية أرضية ، يحتل فيها التمر والشوربة مكانهما الدائم، في مشهد يتكرر كل يوم لكنه لا يفقد بريقه أبداً.
ولأنه رمضان الذكريات أيضا فقد ارتبط ببرامج ومسلسلات تلفزيونية مميزة، تجتمع العائلة لمشاهدتها بعد الإفطار، مثل “الفوازير” والمسلسلات التاريخية والدينية. وكان لهذه الأعمال تأثير خاص، حينما كانت تقدم مزيجاً من الترفيه والتثقيف في آنٍ واحد، مما جعلها جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الرمضانية.
والحقيقة أن الحنين إلى رمضان الماضي لا يعني بالضرورة أن الحاضر سيئ، لكنه انعكاس لرغبتنا في استعادة لحظات الدفء والبساطة التي كانت تميز حياتنا في ذلك الوقت. فالماضي غالباً ما يبدو أكثر جمالاً عندما ننظر إليه بعين الذكرى، لأننا نرتبط به بمشاعر صادقة وتجارب صنعت جزءاً من هويتنا.
وفي آخر الأمر كل يوم يمر بنا.. هو أيل للحنين يوما، لكن ما يجعل هذا الشهر مميزاً ليس فقط طقوسه، بل المشاعر التي يوقظها في قلوبنا، سواء في الزمن القديم أو في يومنا هذا.