يقول المفكر والعالم الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي في كتابه الأحلام بين العلم والعقيدة: "أصارح القارئ بقول قد لا يرتضيه مني، هو أني كنت في العهد البائد أخشى من غضب الحكام، وقد أصبحت في العهد الجديد أخشى من غضب "الغوغاء"، وأرجو من القارئ ألا يسيء فهم قولي هذا، فالغوغاء ظاهرة اجتماعية موجودة في كل مجتمع".. ولم يكن الوردي وحده من حذر من خطر الغوغاء فقد سبقه مفكرون وعلماء وباحثون، ولعلنا هنا لا نتجاوز قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن الغوغاء: أنهم همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح، أنهم الذين إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا نفعوا.

الغوغاء تشمل مجالات كثيرة لكن ما نحن بصدده هنا ما يخص الغوغاء القائمة في مجال التنافس الكروي، لأنها بلغت شأنا مقلقا، حد أن ليس هناك من يتفاءل بإيقاف هذا المد التعصبي التنافري الذي صنع غوغاء متلبسة بالرفض وعدم قبول الآخر، أما سبب ذلك فهو من خلال صناعة التفاهة التحليلية التلفزيونية التي أصبحت شأنا مهما في العملية التنافسية الكروية، وما زلت أصر أن الإحباط الأكبر قد حضر من بعض القنوات التلفزيونية التي صنعت من بعض المغمورين ومن سقط المتاع إعلاميين مشهورين، لتعمم انتشار الغوغاء الرياضية من على مواقع التواصل لتبلغ حدا أقلق المنافسة.

المشكلة الأكبر أن خطاب الكراهية كرويا أصبح مصطلحا يمارس على نطاقٍ واسعٍ وعيني عينك، ليعمم الغوغاء التي تنتقل من موقع لآخر في مواقع التواصل حاملا الضدية، وكثير منه لا يعرف الحقيقة فقط لأن هناك من دفعه لذلك.. لا تحسب حسابا فقط سلمت أمرها لمثيري فتن تنافسية عنوانهم الضغينة.. وبما جعل كرة القدم ميدانا للانتقاص والشتائم.. وفي كثير منه الفجور ضد الآخر، وبما جعل صراخ الغوغاء بعد كل تنافس يوجد فوضى تحليلية عارمة.. من خلال أشياء غير منطقية تبدو مجرد تخمينات أو انطباعات تلقّوها ممن يرون فيهم أنهم قادة تعصبهم من تحريض وتأليب على من يخالفهم تحقيقا لمصالحهم الشخصية، ليستخدموا الغوغائيين للضغط على المؤسسات الرياضية والأفراد والمنافسين وبالتالي ليظل الرأي الغوغائي هو المسيطر.

المهم في القول إن تجريم الآخر في المجال التنافسي انتشر، فبمجرد رفض احتجاج ناد خلال هذا الأسبوع لثبوت أدلة الرفض حضر البحث عن كل ما يؤدي إلى النيل من المؤسسة الرياضية والمنافسة واستخدام الكذب ضدهم حد أنه تجاوز إلى تجيير المفاهيم العالية القيمة كالوطنية والإسقاط عليها لخدمة تلك المبادئ الدنيئة، لتكون كالسلعة التي يزايد عليها، نشير إلى ذلك ونحن لا نطالب أن نكون مثاليين لكن أن نكون منطقيين عقلاء في تشجيعنا لفرقنا، لأننا سئمنا حين أي اختلاف تجييش فلول الغوغاء للتشكيك في كل شيء عبر فجور اختلافي لا يطاق، منطلقه اراء تافهة أخذت "بكل أسف" مقاعدها على مواقع الحوار في التلفزيونات والمنصات التواصلية، حد أننا بتنا نخجل من الطرح القائم الذي خلط المعاني والحقائق بالتعصب، لينتج غوغاء حاضرة بات من الصعب ضبطها والتحكم فيها.