الصناعة الدوائية إحدى ركائز تحقيق الأمن الصحي والاقتصادي لأي مجتمع، ويشكل تعزيز المحتوى المحلي، وتنويع الاقتصاد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الأدوية والمستلزمات الطبية جزءا محورياً من رؤية المملكة 2030.
تمتلك بلادنا مقومات تجعلها قادرة على تطوير قطاع الأدوية وتحقيق ريادة إقليمية، ومن أبرزها: وجود طلب المحلي وسوق متنامية، كونها أكبر سوق دوائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويقدر حجم سوق الأدوية بمليارات الدولارات، مع توقعات نمو مستمرة، نظراً لزيادة السكان وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة.
وجود العديد من المدن الصناعية، مثل مدينة سدير للصناعة والأعمال ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، مما يسهل إنشاء مصانع الأدوية وتوسيع خطوط الإنتاج، أيضاً وجود بيئة تنظيمية من قبل الجهات الرقابية، التي تعمل على تحسين معايير الجودة وتعزيز التنافسية في القطاع، وكذلك تُشجع عقد اتفاقيات مع شركات عالمية لتوطين تقنيات التصنيع الدوائي. وكذلك إطلاق برامج تعزيز المحتوى المحلي في قطاع الأدوية، ناهيك عن دعم صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الصناعية السعودي لمشاريع الأدوية، مما يوفر التمويل والتسهيلات لإنشاء المصانع.
كما توجد مراكز بحثية متقدمة مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وغيرها، التي من الممكن أن تسهم في تطوير الأبحاث الدوائية.
على الجانب الآخر هناك تحديات تعوق نمو الصناعة الدوائية، ومنها: لا تزال نسبة كبيرة من الأدوية المستهلكة في المملكة مستوردة، مما يزيد من الفاتورة الدوائية ويجعل السوق عرضة للتقلبات العالمية، كما يعتمد الإنتاج المحلي على الأدوية الجنيسة، بينما نحتاج إلى مزيد من الأدوية البيولوجية والمبتكرة، الذي يتطلب نقل التقنية وتطوير الأبحاث، مما قد يكون عائقاً أمام الشركات الناشئة، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحسين الأنظمة، لا تزال بعض التنظيمات تحتاج إلى وضوح وتسريع، خاصة تسجيل الأدوية المبتكرة.
لتجاوز التحديات وتعزيز النمو، نحن بحاجة تبني استراتيجيات تقديم حوافز ضريبية وإعفاءات جمركية للمصانع المحلية، زيادة الدعم لمصانع الأدوية الحيوية والمبتكرة، تشجيع عقد شراكات استراتيجية مع شركات الأدوية العالمية لنقل التكنولوجيا وإنتاج الأدوية الحيوية داخل المملكة، تخصيص ميزانيات أكبر لدعم الأبحاث في المستحضرات الصيدلانية الحيوية والتقنيات الوراثية، تشجيع التعاون بين الجامعات السعودية وشركات الأدوية، وربط الابتكار بالتصنيع، إنشاء حاضنات أعمال دوائية لدعم الشركات الناشئة، تقديم تسهيلات استثمارية للمستثمرين المحليين والأجانب لإنشاء مصانع الأدوية، تسهيل إجراءات التسجيل الدوائي، مع ضمان الامتثال لمعايير الجودة العالمية، تطوير برامج تعليمية متخصصة في الصيدلة الصناعية بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث.
من المهم التركيز على توسيع القدرات اللوجستية والتصديرية، عبر إنشاء مناطق حرة صناعية لتمكين الشركات من تصنيع الأدوية وتصديرها دون تعقيدات تنظيمية، مع تعزيز الشحن الجوي والبري للأدوية.
تمتلك المملكة كافة المقومات التي تجعلها قوة إقليمية دوائية، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب استراتيجيات متكاملة تشمل توطين التصنيع، تعزيز البحث والابتكار، جذب الاستثمارات، وتطوير الكوادر البشرية، من خلال تنفيذ هذه الخطوات، يمكن للمملكة ليس فقط تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأدوية، بل أن تصبح مركزاً عالمياً لتصنيع الأدوية المتقدمة.