من المعروف أن القوة الاقتصادية في العصر الحديث أصبحت المرجع الذي تبنى على أساسه قوة الدول وقدرتها على التأثير. ونظرا لأن الاقتصاد العالمي تطور حتى أصبح من الصعب فنيا السيطرة عليه إجمالا، فإن لهذا الاقتصاد مفاصل من خلالها يمكن تعظيم التأثير العالمي، منها مصادر الطاقة وصناعة التقنية. في صناعة التقنية، أصبحت السيطرة على إنتاج أشباه الموصلات حاسمة كما أن السيطرة على إنتاج النفط حاسمة في مجال الطاقة. تمتلك الدول التي تهيمن على تقنية أشباه الموصلات قوة اقتصادية وجيوسياسية هائلة. بالنسبة للمملكة، التي تسعى إلى تنويع اقتصادها في إطار رؤية 2030، تمثل صناعة أشباه الموصلات فرصة فريدة لتعميق استقلالها الاقتصادي بامتلاك مصدر آخر للقوة كالنفط.
واحدة من أكثر المبادرات الواعدة في هذا الاتجاه هي شركة آلات، وهي شركة استثمار تقني أطلقها صندوق الاستثمارات العامة للاستثمار في الصناعات المتقدمة، بما في ذلك أشباه الموصلات. لدى آلات القدرة على تأسيس المملكة كمركز مهم في سلسلة التوريد العالمية لأشباه الموصلات. حاليا، تهيمن تايوان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة على السوق، في حين تتسابق الصين للحاق بالركب. من خلال آلات، يمكن للمملكة التعاون مع قادة أشباه الموصلات العالميين مثل (تي أس أم سي) أو (سامسونج) لإنشاء مصانع أشباه الموصلات محليا.
ولخلق بيئة حيوية للشراكة، على المملكة أن تستثمر في بناء مجموعات من النظم البيئية التي تركز على الموردين والمصنعين والمؤسسات البحثية، مما يعزز الكفاءة ويقلل من التكاليف ويعزز الابتكار.
فإضافة إلى الشراكات التقنية، فإن تطوير صناعة أشباه الموصلات يتطلب قوة عاملة ماهرة. تقود الصناعة دول مثل تايوان والولايات المتحدة لوجود قاعدة من القوى العاملة الماهرة معززة عموديا بمراكز للمعرفة من الجامعات ومراكز البحث والتطوير.
بدلا من التنافس مباشرة مع تايوان وكوريا الجنوبية في الرقائق عالية الجودة وواسعة الاستخدام، يمكن للمملكة أن تنحت مكانة لها في أسواق أشباه الموصلات المتخصصة. على سبيل المثال، يمكن للمملكة التركيز على إنتاج رقائق للذكاء الاصطناعي أو التطبيقات العسكرية وهي مجالات تتماشى مع الأولويات الاقتصادية والأمنية الأوسع. من شأن الاستثمار في هذه الأسواق المتخصصة أن يسمح للمملكة بتطوير ميزة تنافسية دون الحاجة إلى السيطرة على الصناعة بأكملها.
تمتلك المملكة القوة المالية وموارد الطاقة والرؤية الاستراتيجية للدخول في سباق أشباه الموصلات. من خلال آلات والمبادرات الوطنية الأخرى، يمكن للمملكة تأمين مكان في هذه الصناعة الحيوية. كغيرها من المبادرات، لابد من التركيز في اتجاه متخصص والالتزام به، وهو مطلب صعب يحتاج إلى رؤية واضحة وضبط للمبادرات في عالم كثير المنعطفات. إذا نجحت المملكة، فإنها لن تنوع اقتصادها فحسب، بل ستعزز أيضا نفوذها في المشهد التقني العالمي وتأمين مستقبلها في عصر ما بعد النفط.