الدراما الناجحة تكون بتناول أشياء مثيرة للفضول من قبل أشخاص مثيرين للاهتمام، وبما يحقق شرط الإثارة والمتابعة، ومعها المشاهدات المرتفعة، فالأعمال الرتيبة والسرديات الوعظية ودراما النهايات المتوقعة لا يتابعها إلا أعداد محدودة، ومن غير المعقول رفض مشاهد العنف بذريعة تحرضيها على السلوكيات العدوانية، لأنها في حقيقتها لا تفعل ذلك إلا مع من لديهم استعداد مسبق أو مشكلات نفسية وعقلية..
مسلسل بريكينغ باد، يعتبر من أكثر الأعمال نجاحًا في تاريخ الدراما الأميركية، وهو يتناول حكاية معلم كيمياء اكتشف أنه مصاب بالسرطان وقرر تصنيع المخدرات لتأمين مستقبل ابنه وزوجته بعد وفاته، حتى أصبح أكبر تاجر مخدرات في أميركا، والمشكلة بدأت عندما أصبح المكان الذي وقعت فيه أحداث المسلسل، في ولاية نيو مكسيكو، وبالأخص بعد عرضه في 2014، وجهة لتجارة واستخدام مخدر كريستال ميث، أو ما يسمونه بكوكايين الفقراء، وهو ما يعرف باسم (الشبو)، ولدرجة أن بعضه كان مصبوغاً باللون الأزرق، تمامًا كالمخدر الذي اخترعه والتر وايت في المسلسل.. وفي دراسة نشرت في 2015 لبول زاك أستاذ علم النفس في جامعة بنسلفانيا، ركز فيها على مستوى إفراز هرموني الأوركسيتوسين والكورتيزول في المخ، وقت مشاهدة الأعمال الدرامية، وجد أنهما لا يختلفان عن معدلاتهما في حالة تعرض الشخص لمواقف مشابهة في الواقع، ما يعني أن المشاهد يدخل إلى العمل الدرامي ويخرج منه، وكأنه عاش تجربة حياتية واقعية، وتعلم منها دروساً لم يعرفها.
بالإضافة لما سبق، يوجد فرع جديد في علم المخ والأعصاب يسمونه (نيوروسينما)، وهو يدرس ما يحدث للمخ عند مشاهدته للأفلام باعتبارها أعمالاً درامية، ومن نماذجها، دراسة تيريسا كريمن في 2014، التي لاحظت فيها أن المشاهد الدرامية، توقف الجزء النقدي المنطقي في الجانب الأيسر من الدماغ، وتنشط عمل الجزء الخاص بالخيال، في نصف الدماغ الأيمن، وبطريقة تحرر العقل من استسلامه للتفكير التقليدي، وتجعل الأشخاص ميالين للقبول بأفكار وآراء لم يعتادوا عليها، وأتصور أنه أمر جيد ومطلوب لكل تجمع إنساني طبيعي، والصحيح أن دقيقة الدراما، وبشهادة رجال دين عرب من بلد مجاور، تعادل في تأثيرها مئة خطبة جمعة، وبالتالي فإن تحميل مسؤولية ارتفاع معدلات الجريمة على مشاهد العنف في الدراما لا يقبل التعميم لأنه محصور في المعتلين صحياً دون غيرهم.
الدراما الناجحة، تكون بتناول أشياء مثيرة للفضول، من قبل أشخاص مثيرين للاهتمام، وبما يحقق شرط الإثارة والمتابعة، ومعها المشاهدات المرتفعة، أو مثلما قال المخرج برايان ديفيد -وأتفق معه- لأن الأعمال الرتيبة والسرديات الوعظية الدرامية، ودراما النهايات المتوقعة، لا يتابعها إلا أعداد محدودة جدًا، ومن غير المعقول رفض مشاهد العنف بذريعة تحرضيها على السلوكيات العدوانية، لأنها في حقيقتها لا تفعل ذلك، إلا مع من لديهم استعداد مسبق أو مشكلات نفسية وعقلية.
الشاهد على ذلك، رواية (الحارس في حقل الشوفان) للروائي الأميركي جيروم سالينغر، والتي تم اختيارها كواحدة من أفضل الروايات التي كتبت باللغة الإنجليزية، ورغم عدم ارتباطها بحمل السلاح وقتل الناس إلا أنها كانت سبباً في قتل جون لينون، مغني البيتلز المعروف، في نيويوك عام 1980، وأورد القاتل في اعترافاته أنه قام بقتله، لأنه شخص مزيف، وللمعلومية بطل الرواية المراهق يكره الأشخاص المزيفين، والرواية وجدت بحوزة من حاول اغتيال الرئيس رونالد ريغان عام 1981، وفي مسرح جريمة قتل الممثلة الصاعدة ريبيكا شيفر عام 1989.
شهر رمضان يعتبر موسمًا للإنتاج الدرامي العربي وبجرعات مكثفة لا تشبه غيره، مع أنه في الأساس يحتفظ بطابع ديني خاص، وبحسب إحصاءات رمضان لعام 2022، فقد أنتجت الدول العربية 172 عملاً درامياً، تحتاج مشاهدتها إلى 86 ساعة في اليوم الواحد، ولا أتصور إمكانية ذلك، والحصيلة السنوية للدراما الخليجية تقدر بنحو 30 عملاً، استناداً لأرقام 2023، معظمها خاص بالإنتاج السعودي والكويتي، ولكنها بلا تأثير واضح في رأي النقاد، إذا ما قورنت بالدراما التركية ومتابعيها في المنطقة العربية، والتي أصبحت منافساً مزعجاً للدراما العربية، وبالأخص السورية والمصرية، لأنهما الأقدم والأكثر شعبية على المستوى العربي، والتأثير التركي يبدو في انتشار اسمي نور ومهند، تيمناً بالمسلسلات التركية الرومانسية، وطبقا لإحصاءات غرفة تجارة إسطنبول، فإن هذه الدراما تمثل قرابة 25 % من الإنتاج الدرامي في العالم، وتأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، خصوصاً في مجال تصدير المحتوى الفني، والدراما السعودية أو الخليجية، إذا ما أرادت المنافسة عالمياً، فالواجب أن تنظر إلى الدراما التركية والكورية الجنوبية والأميركية، ولا تقتبس منها وإنما تبتكر أعمالاً منافسة بسيناريوهات متماسكة وعالية الجودة.
مخرج سلسة (ستار وورز) جورج لوكاس استطاع صناعة واحدة من أنجح الأفلام العابرة للثقافات في التاريخ الإنساني، عندما قام ببناء شخصياتها من كتاب (البطل بألف وجه) للعبقري الأميركي جوزيف كامبل، وهو يعتبر من أبرز المختصين في كتابة الميثولوجيا، وفي مؤلفه تأكيد على أن حكاية البطل الواحد، الذي تقوم كل شخصيات العمل بتأثيث سرديته وإكمالها، أكثر نجاحاً وشعبية في الدراما، من السرديات الدرامية متعددة الأبطال، ومن الأمثلة المتفوقة عربيًا، والتي يفترض تطويرها والعمل عليها، مسلسل المداح، الذي يعرض موسمه الخامس في رمضان الجاري، على منصة شاهد، ومعه نحو 70 عملاً درامياً، يشارك فيها 200 ممثل وممثلة، والعبرة بالخواتيم.