<br />استعرضت معكم في المقال السابق الذي حمل عنوان «القلق والاختناق في بيئة العمل» مراحل ثلاثة لتداعيات العمل في بيئة مسمومة؛ حيث تبدأ هذه المراحل بالصدمة، ثم الاختناق، فمرحلة الإحباط المعتم. كما وعدتكم بمقال يتناول مرحلة النزيف الأدائي بشكل مستقل، وها هو اليوم تحت أنظاركم وبين أيديكم.<br />علينا جميعا أن نعلم أن الموظف الجيد والكفء، حتى وإن كان محاطا ببيئة عمل مسمومة، لا يتنازل مهما كان عن حرصه على تقديم عمل متقن وعالي الجودة. ومع ارتفاع نسبة السمية، واستشراء غطرسة «اللوبي» المسيطر، تتنامى نزعة «قطع الطريق» لدى المستبّدين ممن يعتاشون على تجيير كل نجاح لأنفسهم، حتى لو كان هذا النجاح سلباً لجهود غيرهم، ولا يهمهم أن يقال إن أفعالهم هذه تأتي من باب السرقة، أو وضع اليد، وغير ذلك من الوسائل الرخيصة للاستبداد.<br />الموظف المحاصر بمثل هؤلاء اللصوص، مستمر طبعا في تقديم خبراته ومهاراته لبيئة العمل، لأنه لا يتنازل أبدا عن مبدأ يقول: (هذا واجبي، وأعتز بتقديمه في أفضل صورة)! ومع استمراره في تقديم عمله بمنتهى الكفاءة والحرص، تظهر ندوب صغيرة في كيان الموظف بسبب استمرار التضييق والحصار والسطو على الجهود؛ ولا يطول الوقت حتى تتحول هذه الندوب المتفرقة في كيانه إلى جروح دائمة النزيف. فليس من السهل على أي إنسان، أن يرى حقه مسلوبا كل يوم، بل قد يتعرض بعض الموظفين للنهب أكثر من مرة في دورة اليوم الواحد.<br />هذا النوع من النزيف المتواصل، يصل بالموظف إلى مرحلة الاعتلال الجسدي والنفسي، ومن أشهر الأمراض شيوعا في جانب الأمراض العضوية: السكري، الضغط، الإجهاد البدني المزمن، ضعف المناعة، الصداع المزمن، عدم انتظام ضربات القلب، اضطرابات الجهاز التنفسي، تجمع السوائل في الجسد.. وغير ذلك. أما أشهر الاعتلالات المرتبطة بالجانب النفسي، سجل عندك: القلق المزمن، الاكتئاب العام، الانسحاب الاجتماعي، فقدان الثقة في المحيط، الخفقان المزمن، الصداع النصفي، تشويش الرؤية، صفير الأذنين، الإحساس بالاختناق حتى وإن كنت في حديقد لندنية أو حتى حديقة سنترال بارك النيويوركية! وغير ذلك الكثير...<br />ولو تساءلنا معا: ما الحل لإنقاذ هذا النوع من الضحايا؟ الجواب: هذا النوع من الجحيم الوظيفي لا حلول فورية له، ويصاب العشرات ممن قضت أقدارهم أن يعملوا في بيئات عمل مسمومة بمثل هذه الأمراض سواء على مستوى البدن أو على مستوى النفس كما أوضحت، ولا يملك مثل هؤلاء -خصوصا الكفاءات من متوسطي ومتقدمي الخبرة- سوى خيارات محدودة تتلخص في التالي: البحث عن فرصة عمل جديدة، تبنّي سياسة الجمود وانتظار مصير مؤلم على المستوى الشخصي والأسري، الخروج على الواقع والدخول في معارك من نوع (1 محترم مقابل 10 قطاع طريق)، أو مغادرة المكان سواء بتقديم استقالة أو حتى بدون.. في سبيل المحافظة على بقي من صحة وما تيسّر من عقل!<br />ختاما، وحتى لا يسود انعدام التفاؤل، فإن هناك حالات لا تعرف سبيلا للاستسلام والركون إلى الواقع المرير! وهؤلاء الفرسان يقررون في أغلب الحالات اللجوء إلى خوض المعارك القانونية، وبالعادة نراهم يفوزون بجولات قاسية على المتلاعبين والمفسدين والمتحزّبين، ولكنها تتطلب نفسا طويلا، وإلماما جيدا بنظام العمل، ومعرفة مستفيضة بحقوق الموظف مع الاستعانة بمحام لامع ومتخصص.<br />@abdullahsayel