<br />إن ظاهرة تزييف المحتوى على اختلاف شكله ونوعه ليست وليدة اللحظة، بل تعتبر ظاهرة جذورها قديمة، متجددة الأدوات، وممتدة التأثير، فقد نمت نموًا ملحوظًا مع التطور التكنولوجي الهائل في مجال الإعلام الرقمي حتى بات منبعًا أساسيًا لها بفضل الميزات والخدمات التي يوفرها لصناع المحتوى وتؤثر بشكل كبير على نماء تلك الظاهرة، الأمر الذي يجعل التصدي لها يزداد صعوبة يومًا بعد يوم.<br />وإذا أردنا معرفة العوامل التي تدعم حضور تلك الظاهرة في الفضاء الرقمي نجد أنها عديدة وفي مقدمتها تحوّل الجمهور من متلقٍ للمعلومة إلى صانع لها أي أصبحت المشاركة في صنع المحتوى عامة وواسعة وحق مشروع للجميع ما دام يمتلك الأداة، بالإضافة إلى عوامل أخرى من بينها سهولة الوصول وسرعة النشر حيث يمكن لمستخدمي الإنترنت نشر المعلومات بسرعة دون رقابة أو تدقيق، ومن العوامل أيضًا التي تعزز الظاهرة وتضمن بقائها في الفضاء الرقمي هو وجود مكاسب مادية أو سياسية وراء نشر المحتوى الزائف.<br />وتساعد أيضا خوارزميات المنصات الاجتماعية على ترويج المحتويات التي تتلقى قدر كبير من التفاعل، الأمر الذي يسهم في انتشار المحتوى الزائف الذي غالبا ما يكون مثيرا، وإلى جانب ذلك تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دورًا واضحا في ترسيخ تلك الظاهرة حيث أصبحت جزءا أساسيًا في مواقع التواصل الاجتماعي، فقبل عقدين من الزمن كانت قدرة الأفراد على إنتاج وتوزيع المحتوى الرقمي محدودة حتى وصول الإنترنت ومن ثم العديد من التطبيقات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت الأفراد قادرين على إنتاج المحتوى الإعلامي، وحتى التلاعب به صوتا وصورة.<br />وفي ذات الإطار تجدر الإشارة إلى إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي وتسمى التزييف العميق «Deepfake»، ولهذه التقنية جانب إيجابي يتمثل في عدد من الاستخدامات المفيدة مثل الإبداع والترفيه والتعليم والإعلام وغيرها من المجالات، وفي المقابل هناك الجانب المظلم، فهذه التقنية قد تستخدم كأداة فعالة في ارتكاب العديد من الجرائم، وقد أشار الخبراء في هذا المجال إلى حتمية انتشار وشيوع تقنية التزييف العميق في المستقبل القريب لعدة أسباب من أهمها سهولة إنتاج المحتوى دون الحاجة إلى مهارات تقنية، ويقابل ذلك صعوبة كشف حقيقتها، أو استحالة ذلك مع التطور السريع والتحديث المستمر للذكاء الاصطناعي.<br />وتعرف الدراسات العلمية «التزييف العميق» بأنها «مقاطع فيديو يتم إنشاؤها عبر الحاسوب باستخدام الذكاء الاصطناعي، ويتم هذا عبر خوارزميات تعيد تشكيل ملامح لأشخاص وتحريك وجوههم وأطراف الجسد، ويتم إعادة دمجها مع مقاطع مسجلة لأفراد آخرين حقيقين، ويضاف إلى ذلك قدرتها على تركيب صور الوجه لشخص محدد مع إضافة تعبيرات وحركات مشابهة لتخرجها في صفة نهائية طبق الأصل للشخص المستهدف من العملية، وبطبيعة الحال يشكل ذلك خطرًا كبيرًا يتسبب في تزييف للحقائق وخلق فوضى عارمة في حال استخدمت لأغراض غير مشروعة».<br />ختامًا، تلعب التربية الإعلامية الرقمية دورًا جوهريًا في مواجهة المحتوى الزائف المنتشر عبر الإعلام الرقمي، حيث تُزود الأفراد بالمهارات اللازمة لتحليل وتقييم الرسائل الإعلامية، والتحقق من دقة المعلومات ومصادرها قبل تبنيها أو مشاركتها، كما تُسهم في تنمية التفكير الناقد الذي يمكّن الأفراد من التمييز بين الحقائق والآراء، مما يعزز قدرتهم على كشف الأخبار الكاذبة والتصدي للشائعات، بذلك تصبح التربية الإعلامية الرقمية سلاحًا فاعلًا في بناء وعي مجتمعي مسؤول يحدّ من انتشار المعلومات المضللة ويحمي الجمهور من تأثيراتها السلبية.<br />syalaboud@<br />وقد أشار الخبراء في هذا المجال إلى حتمية انتشار وشيوع تقنية التزييف العميق في المستقبل القريب لعدة أسباب