<br />لطالما كان طب الأسرة حجر الزاوية في الأنظمة الصحية المتطورة حول العالم. الدول التي ركزت على الرعاية الصحية الأولية أثبتت أن هذا التوجه ليس فقط أكثر كفاءة في الإنفاق، بل هو السبيل لزيادة عدد الأصحاء والسيطرة على الأمراض الشائعة والمزمنة.<br />كندا وألمانيا من أبرز الدول التي تبنت هذا التوجه، حيث قامت بتطوير أنظمة صحية متكاملة جعلت من الرعاية الأولية المبدأ الأساسي لتحسين الصحة العامة. ففي كندا، يُعطى طب الأسرة الأولوية في توفير الرعاية الوقائية والعلاجية الأساسية، مما ساعد في تخفيف الضغط على المستشفيات وتحقيق استدامة النظام الصحي.<br />وفي ألمانيا، يُعتبر طبيب الأسرة الرابط بين المريض والنظام الصحي، مما يسهم في تسهيل الوصول إلى الرعاية المتخصصة ويضمن تقديم خدمات صحية شاملة.<br />على الرغم من التوجهات الإيجابية نحو تحسين الرعاية الصحية الأولية، إلا أن هناك تحديات لا تزال تواجه طب الأسرة، من أبرز هذه التحديات العجز في عدد أطباء الأسرة. بحسب مقابلة الأمين العام لهيئة التخصصات الصحية فهناك نقص في تخصص طب الأسرة فالمعدل العالمي 90.6 لكل 100 ألف شخص ونحن 21.6 لكل 100 ألف شخص، كما تشير الدراسات إلى أن نسبة العجز في هذا التخصص تتجاوز 30% في بعض المناطق، مما يزيد من الضغوط على الأطباء العاملين في هذا المجال. هذا العجز يتطلب استراتيجيات تحفيزية مبتكرة لجذب المزيد من الأطباء، بالإضافة إلى برامج تدريبية مستمرة لضمان تحسين مستوى الرعاية المقدمة.<br />ورغم الأهمية الكبيرة لهذا التخصص، إلا أن الإعلام لا يولي طب الأسرة الاهتمام الكافي، بينما يتم تسليط الضوء على التخصصات الجراحية والإنجازات الطبية المبهرة مثل زراعة الأعضاء، يغفل الإعلام دور طب الأسرة في الوقاية والعلاج المبكر، وهما الأساسان اللذان يسهمان في تحسين الصحة العامة وتقليل تكاليف العلاج على المدى البعيد. إن تسليط الضوء على هذا الدور الوقائي سيعزز من فهم المجتمع لأهمية طب الأسرة ويزيد من التقدير المهني للعاملين فيه.<br />من جهة أخرى، يعاني أطباء الأسرة من زيادة الأعباء الوظيفية دون وجود دعم كافٍ، وهو ما يساهم في الاحتراق الوظيفي. على الرغم من أن الأطباء متعودون على الضغط المستمر، إلا أن تحميلهم مسؤوليات إضافية دون التدريب أو الدعم اللازم يؤدي إلى تقليل جودة الخدمة الصحية المقدمة.<br />إن زيادة التحفيز المهني وتوفير بيئة عمل صحية ومستدامة من خلال برامج تدريبية مستمرة وتطوير مهارات الأطباء، سيكون له الأثر الأكبر في تحسين الأداء وتخفيف الاحتراق الوظيفي.<br />كما يتطلب الوضع الحالي توفير برامج تحفيزية متوازنة لا تعتمد على زيادة الأعباء فحسب، بل على تحسين البيئة المهنية من خلال تزويد الأطباء بالأدوات اللازمة والتدريب المستمر، وقد أثبتت الأنظمة الصحية في كندا وألمانيا أن الاستثمار في الرعاية الأولية وتدريب الأطباء باستمرار يؤدي إلى نتائج إيجابية ملموسة، سواء في تحسين صحة المجتمع أو في تقليل الأعباء الاقتصادية على النظام الصحي.<br />طب الأسرة ليس مجرد تخصص طبي بل هو أساس لأي نظام صحي ناجح ومستدام.<br />إن الدعم الإعلامي والتدريبي، وتوفير بيئة عمل مناسبة لأطباء الأسرة، من شأنه أن يسهم في تحسين الرعاية الصحية في المملكة بشكل عام ويحقق الأهداف الصحية في رؤية 2030.<br />@DrLalibrahim<br />