<br />كنت مسافرة في إحدى المرات لإحدى البلدان الغربية على الدرجة السياحية. كان المضيفون على الطائرة من جنسيات أجنبية، وبالرغم من وجود بعض المقاعد الشاغرة وعدم ازدحام الطائرة إلا أنه لسوء الحظ فقد جلس بجواري رجل، لم أتذمر لأني متفهمة أن لا أحد يستطيع التحكم بمن يجلس بجانبه في المواصلات أو الأماكن العامة أو في رحلة على طائرة، ففي الأماكن العامة، كل له حق الجلوس في أي مكان، أما بالنسبة للطائرة فالمقاعد تحجز مسبقاً أو وقت تسجيل الدخول، كانت الرحلة طويلة والمقعد صغيراً وكنت أفكر كيف ستكون رحلتي الطويلة بجانب ذلك الرجل.<br />انتظرنا حتى وضع المسافرون أمتعتهم وجلس كلٌّ في مقعده المخصص له، وقبل أن تقلع الطائرة تفاجأت بالمضيفة الأجنبية تطلب بلباقة من الرجل الذي بجانبي الانتقال لمقعدين شاغرين كي آخذ أنا راحتي خلال الرحلة، كانت لفتة لطيفة منها، فشكرتها وبقيت أفكر في تصرفها!<br />موقف آخر حصل لي مع سائق إحدى الحافلات الكبيرة وهو من إحدى الجنسيات الأجنبية أيضاً، عندما امتلأت الحافلة ما عدا مقعداً واحداً أغلق الأبواب وجئت أنا وأحد الزملاء محاولين الصعود، فأخبرنا السائق أن هنالك مقعداً شاغراً واحداً فقط وهو لسيدة وسمح لي بالدخول! لقد لاحظ هذا السائق الأجنبي أنه على الرغم من عمل الرجال مع النساء في تلك الشركة، إلا أنه دائماً ما يفضل الرجال الجلوس بجانب بعضهم بعضاً وتفضل السيدات الجلوس بجانب بعضهن بعضاً أيضاً وكان المقعد الشاغر الوحيد في الحافلة بجانب سيدة.<br />في حين أظهر أشخاص من جنسيات أجنبية في الموقفين أعلاه اهتماماً واحتراماً للمساحة الشخصية بين الجنسين، يحاول الكثير في بلداننا العربية إجبار الرجال والنساء على الجلوس بجانب بعضهم بعضاً وعدم ترك مسافة كافية بينهم سواء في بيئات العمل أو المحافل المختلفة، مما ينتهك خصوصية الإنسان ومساحته الشخصية والنفسية، وبإمكان ذلك أن يؤثر سلباً على راحته وشعوره بالاحترام.<br />ينادي العقلاء دائماً بالاعتدال والوسطية في جميع الأمور، فهما السر للتوازن والنجاح، وكما قلنا سابقاً إن التوازن قانون كوني، ومع أنني من أول المؤيدين على عدم فصل الجنسين وإعطائهما الفرصة للتعرف على بعضهما بعضاً وتعلم طرق التعامل بأدب واحترام مع بعضهما بعضاً من الطفولة، كي نتفادى الانجذاب السريع الزائف أو ما أسميته بوهج البدايات، ولنتفادى إنتاج أجيال تفتقر إلى الفهم الصحيح لطرق تعامل الجنسين، إلا أن إبقاء بعض الخصوصية يعد أمراً مطلوباً وضرورياً. تعتبر مفاهيم الحدود الشخصية واحترام الخصوصية قيماً أخلاقية أساسية تساعد في التفاعل الاجتماعي السليم لضمان بيئة مريحة ومحترمة للجميع، يعكس تبني فكرة إبقاء بعض المساحة الشخصية والخصوصية احترام الإنسان واحترام كل جنس للآخر والحفاظ على كرامته.<br /><a href="https://x.com/Wasema" target="_blank">@Waseema</a>