<br />عندما نُعظم شخصًا بشكل مفرط، سواء بسبب مواهبه، منصبه، أو إنجازاته، فإننا نغذي شعوره بالاستحقاق والتفوق، التفاخر بإنجاز أو التركيز على مصلحة شخصية قد يخلط بينه وبين السلوك النرجسي الذي يتسم بأنه مؤذي ويستغل الآخرين، ويمكن أن تظهر بدرجات متفاوتة بين الأفراد.<br />ققد يكون الشخص أنانيًا دون أن يكون نرجسيًا في تحقيقه لمصالحه الذاتية، لكنها لا تعني بالضرورة رغبة في السيطرة أو الحاجة للإعجاب، وقد يكون متسلطاً في فرض السيطرة على الآخرين، لكنه قد يكون نتاج ظروف شخصية أو مهنية وليس بالضرورة نابعًا من شعور بالعظمة كما هو الحال عند النرجسيين.<br />اضطراب الشخصية النرجسية «NPD»، ليس مجرد صفة شخصية عابرة، بل قد يكون اضطرابًا نفسيًا يتجاوز الأنانية والتسلط إلى سلوكيات تعيق العلاقات الإنسانية، وجذورها قد تكون بيولوجية أو بيئية، وهو حالة مرضية تؤثر على حياة الفرد والمحيطين به.<br />ظهر مفهوم النرجسية لأول مرة في الأدب الإغريقي من خلال أسطورة نارسيس، الشاب الذي وقع في حب انعكاس صورته على الماء. في علم النفس، تبنى سيغموند فرويد هذا المفهوم، موضحًا أن النرجسية جزء من التطور الطبيعي للشخصية، لكنها قد تتحول إلى اضطراب إذا استمرت في مراحل متقدمة من الحياة.<br />وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية «DSM-5» يتطلب تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية توافر خمسة أو أكثر من المعايير المذكورة وهي الإحساس المبالغ فيه بالعظمة والاستحقاقية العالية، انعدام التعاطف والصعوبة في فهم مشاعر الآخرين أو التفاعل معهم بإحساس حقيقي، والسعي وراء الإعجاب المستمر والتقدير، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين، واستغلال الآخرين واستخدامهم دون اكتراث لتبعات ذلك، والحساسية المفرطة للنقد لدرجة الانتقام.<br />اضطراب النرجسية قد ينتج من عوامل اجتماعية وبيئية منها التعظيم المفرط عندما نوفر للفرد شعورًا دائمًا بالتفوق والاستحقاق دون أن يقدم مايستحق لذلك، ومن جانب آخر، فالتعرض للجرح العاطفي يطور سمات نرجسية في بعض الأشخاص كآلية دفاعية يولدها الجرح العاطفي أو التجارب المؤلمة لحماية أنفسهم من نبذ أو نقد مفرط تعرضوا له في مراحل حياتهم، فالشخص الذي يُنتقد أو يُهمش باستمرار قد يلجأ إلى تضخيم ذاته كوسيلة لحماية نفسه من الشعور بعدم الكفاية، و المجتمع الذي يعامل أفراده بازدراء أو يقسو في أحكامه قد يدفع بعضهم إلى تبني سلوكيات نرجسية كوسيلة للبحث عن الاعتراف والقيمة الذاتية، وعلى الرغم من أن النرجسية تُصنَّف غالبًا كاضطراب فردي، إلا أنها قد تظهر أيضًا في سياقات اجتماعية ومهنية.<br />مجتمعاتنا نفسها قد تُسهم في تعزيز النرجسية إذا ركزت على المظاهر والإنجازات الفردية أكثر من القيم الجوهرية، وفي بيئات العمل، قد يظهر القادة أو الإدارات النرجسية عندما تُعلي من قيمة الإنجازات الفردية على حساب العدالة أو الاهتمام بالموظفين.<br />من المهم أن نميز بين النرجسية كاضطراب والسلوكيات المشابهة لها، وأن نتحلى بالوعي في التعامل مع النرجسيين، دون السماح لهم بالتأثير السلبي على حياتنا وذلك بوضع حدودًا واضحة لهم، وتأكيد توازن العلاقة.<br />@DrLalibrahim<br /><br />