<br />بيئة بلادنا طاردة عبر التاريخ بسبب حقيقة ندرة الماء، لكن البقاء البشري في ظل ظروف ندرته يتحقق بالتعايش مع البيئة وليس بتحدي حقائقها. ينجح الإنسان في البقاء عندما يشكل بنفسه بيئته وفقا لسيادة واقع حقائقها، وليس وفق رغباته وتطلعاته الأنانية.<br />في بلدنا السعودية - يحفظها الله - أسس إنسانها عبر التاريخ ظروف استدامته البيئية في ظل ندرة المياه. تعايشه البيئي شكل مهارات وسائله وأدواته، ونظمه البيئية المستدامة العطاء. اليوم تأتي الحلول العلمية وتقنياتها تحمل وجهين، وجه يحمل الحلول، وآخر يحمل التحديات. السؤال: أيهما سيسود على المدى الطويل؟ الأمر خاضع لتطبيق معايير ضمان استدامة نجاح عطائها، أي أنها تحمل محاذير مستدامة، وخطيرة.<br />الحلول العلمية المطروحة لا تعطي للبيئة أي اعتبار، مثال: الاستمطار الاصطناعي، البيئة تدفع ثمن أي تغيير، هذا ينعكس على أهلها. سبق وكتبت عن الاستمطار، وضحت المحاذير في كتابي القادم بعد حصوله على الفسح مؤخرا، بعنوان: «كارثة إهمال وتهدّم وتجريف مدرّجات جبال الجنوب الغربي المطيرة وتأثيرها على مستقبل المياه الجوفية المتجددة في المملكة العربية السعودية» .<br />الغايات لا تتحقق بدون تعبئة، وتهيئة، وإعداد لأهل البيئة نفسها، ليكونوا سندا وعونا، وأكثر فهما لبيئتهم. وجود فجوة بين البيئة وأهلها يزيد من معاناة البيئة ويفاقم خسارتها. إذا وقفت البيئة مع إنسانها فلن يكون وحيدا، لكن إذا وقف الإنسان مع بيئته فلن يخسرها مهما كانت التحديات.<br />عندما يتحدث كاتبكم عن موضوع بيئي ثم يجد الرد عليه في شعب آخر، فهذا يعني أن الآخر يعيش غفلة حياة بعيدا عن بيئته. وإلا كيف نفسر هذا الأمر؟ هل للتعليم دور في طريقة تفكير الفرد؟ لم أتخيل أن بيننا من لا يعرف ندرة الماء في بلدنا سقاها الله. من المسؤول؟ هل هو النظام التعليمي أم المجتمع؟ الأهم من المسؤول عن تصحيح المفاهيم المغلوطة؟<br />الحفاظ على الماء مسؤولية كل فرد. وحتى يتحقق ذلك لابد من العمل الجاد لتعليم الناشئة مبدأ الحفاظ على الماء قبل تعليمهم ترشيد استخدامه. تعليمهم الحفاظ على الماء سيفرض عليهم ترشيد استخدامه دون تدخل من أحد، ودون حملات ترشيد. إن واقع تعاملنا مع الماء يعكس واقع تعاملنا مع بيئتنا.<br />الحفاظ على المياه الجوفية غير المتجددة لن يتحقق في ظل «غياب» القناعة بأنها نادرة ومهمة، فهي مياه استراتيجية محدودة. إليكم قناعة يتحدث بها عقل يعيش بيننا، يقول: «الماء ليس نادرا أبدا وثلاثة أرباع الكرة الأرضية يغطيها الماء، غير الأنهار والمياه السطحية والجوفية، وما تجود به إرادة الله من أمطار، لكن النادر هو العقول المبدعة التي تعلم الناشئة طرقا للحصول على الماء العذب بأقل التكاليف، لتعيش جودة حياة بعيد عن تهديد معقدي الأفكار وتكدير الحياة». وبعد.. هذا عقل ينكر ندرة الماء. كيف يمكن اقناع فرد بشيء يؤمن بنقيضه؟<br />عندما يطفوا مثل ذلك الصوت الذي يقول: «الماء ليس نادرا وثلاثة أرباع الكرة الأرضية يغطيها الماء»، فهذا الصوت لا يعيش ظروف بيئته، لكنه متشبع بظروف منزله فقط. هل يمثل هذا الصوت شريحة كبيرة من المواطنين؟ نعم.. لأن معظمهم يعيشون ظروف منازلهم التي يسكنون، لا يعيشون ظروف بيئتهم، ولا يعلمون عنها شيئا. ويستمر الحديث.<br />@DrAlghamdiMH<br />